منصة الصباح

وطني‭ ‬ثمنك‭ ‬غال

بقلم /إبراهيم‭ ‬تنتوش

دفعنا‭ ‬أثماناً‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ (‬تخبطنا‭) ‬اليوم‭ ‬فمالذي‭ ‬تغير؟
هل‭ ‬ضاعت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الدماء‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬إلا‭ ‬للحرية‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬؟
فماالذي‭ ‬تغير؟أهو‭ ‬مكر‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬بنا‭ ‬؟
الكثير‭ ‬منا‭ ‬يعلم‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أنهم‭ ‬سيمكورن‭ ‬ويمكرون‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬بنا،‭ ‬إذن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬أوصلنا‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬‮«‬شبه‮»‬‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬علاجها‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الفنون‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬التعب‭ ‬والإرهاق‭ ‬وطول‭ ‬الطريق؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬خذلان‭ ‬القريب‭ ‬الصديق‭ ‬القريب‭ ‬قبل‭ ‬العدو‭ ‬المتربص‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬الفتور‭ ‬وليس‭ ‬الفتور‭ ‬العابر‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬الفتور‭ ‬القاتل،‭ ‬لقد‭ ‬تحول‭ ‬الفتور‭ ‬العابر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬نظن‭ ‬بهم‭ ‬خيراً‭ ‬إلى‭ ‬ركون‭ ‬مزمن‭ ‬وتغيرت‭ ‬عندهم‭ ‬الموازين‭ ‬واضطربت‭ ‬عندهم‭ ‬المعايير‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬ألا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬ندرك‭ ‬بحق‭ ‬كاف‭ ‬ومطلق‭ ‬شرف‭ ‬ونزاهة‭ ‬ماخرجنا‭ ‬لأجله‭ ‬وأننا‭ ‬نسينا‭ ‬رفاق‭ ‬درب‭ ‬لم‭ ‬يملكوا‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يوماً‭ ‬مايملكون‭ ‬خيار‭ ‬الفتور‭ ‬حتى‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬جب‭ ‬الطاغوت‭ ‬؟
أليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬فينا‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬فيه‭ ‬الآن‭ ‬؟‭ ‬أليس‭ ‬تعزيز‭ ‬وتقوية‭ ‬الشعور‭ ‬فينا‭ ‬كأفراد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التفكير‭ ‬بظروف‭ ‬أفضل‭ ‬لنا‭ ‬جمعيا‭ ‬كمجتمع‭ ‬وأمة‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬مازلنا‭ ‬ندفع‭ ‬ثمنها‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬وسنظل‭ ‬ندفع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نرقى‭ ‬بمستوى‭ ‬تفكيرنا‭ ‬ليسع‭ ‬الأمة‭ ‬بكاملها‭ ‬؟
فهل‭ ‬أوجعنا‭ ‬خذلان‭ ‬القريب‭ ‬قبل‭ ‬البعيد؟‭ ‬وهل‭ ‬أصلا‭ ‬تصورنا‭ ‬أن‭ ‬يتبعنا‭ ‬الناس‭ ‬أفواجاً‭ ‬وأن‭ ‬يبقوا‭ ‬منبهرين‭ ‬متعاطفين‭ ‬مناصرين‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬هم‭ ‬شيئا‭ ‬ملموساً‭ ‬متغيراً‭ ‬عما‭ ‬لاقوة‭ ‬من‭ ‬العذاب‭ ‬والحياة‭ ‬النكدة‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬
وهل‭ ‬نحن‭ ‬الليبيين‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬كأمة‭ ‬مجتمعين‭ ‬أهدافنا‭ ‬واحدة‭ ‬وخطوطنا‭ ‬الحمراء‭ ‬واحدة‭ ‬مرجعيتنا‭ ‬واحدة‭ ‬شريعة‭ ‬السماء‭ ‬التي‭ ‬تنتمى‭ ‬إليها‭ ‬أمة‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والكل‭ ‬أمامها‭ ‬سواء‭ ‬لافرق‭ ‬بينهم‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬؟‭ ‬أقول‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيتمكن‭ ‬من‭ ‬رقابنا‭ ‬أشرارنا‭ ‬وحثالاتنا‭ ‬؟‭ ‬أليست‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬صفة‭ ‬ملازمة‭ ‬لنا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬أوصلتنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬اليوم‭ ‬ونحاول‭ ‬عبثاً‭ ‬أننطلق‭ ‬أوساخنا‭ ‬أو‭ ‬نعلق‭ ‬غسيلنا‭ ‬على‭ ‬حبال‭ ‬الآخرين‭.‬
ألم‭ ‬نفقد‭ ‬إخوة‭ ‬أحبابا‭ ‬وأعزاء‭ ‬على‭ ‬نفوسنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬فهل‭ ‬يوجد‭ ‬طريق‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬وسكبوا‭ ‬دمائهم‭ ‬الطاه‭ ‬الزكية‭ ‬له‭ ‬ويكفيهم‭ ‬أن‭ ‬خرجوا‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬وإعلاء‭ ‬كلمته‭ ‬عليهم‭ ‬بهم‭.‬
فلاداعي‭ ‬للريبة‭ ‬والظنون‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬شباب‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬ولا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الذين‭ ‬باعوا‭ ‬دينهم‭ ‬بدنياهم‭ ‬وباعوا‭ ‬وطنهم‭ ‬الغالي‭ ‬لاعدائه‭ ‬ليس‭ ‬أمامنا‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬حالنا‭ ‬فهما‭ ‬ً‭ ‬وعملاً‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬لنا‭ ‬الطريق‭ ‬طويلا‭ ‬وشاقا‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ممتداً‭ ‬يتجاوز‭ ‬محدود‭ ‬أعمارنا‭ ‬ونعم‭ ‬إنها‭ ‬رحلة‭ ‬سرعان‭ ‬ماتنتهي‭ ‬ومزرعة‭  ‬ستؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ضغوط‭ ‬الواقع‭ ‬وتسارع‭ ‬الأحداث‭.‬
ماعلينا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬لأنفسنا‭ ‬ولو‭ ‬القيل‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الواثقة‭ ‬ذات‭ ‬الأقدام‭ ‬الثابتة‭ ‬فهما‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭ ‬ولكنها‭ ‬راسخة‭ ‬لأن‭ ‬عدونا‭ ‬المتربص‭ ‬بنا‭ ‬وبخيراتنا‭ ‬لن‭ ‬يتركنا‭ ‬أبداً‭ ‬أبداً‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬تخطيطناً‭ ‬ولو‭ ‬البسيط‭ ‬لعلنا‭ ‬نربك‭ ‬حركته‭ ‬ونحبط‭ ‬ولو‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬مخططاته‭ ‬المسمومة‭ ‬بيننا‭ ‬ونعقد‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬نفوسنا‭ ‬قوية‭ ‬أبية‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬أعدائنا‭.‬
صحيح‭ ‬أنهم‭ ‬يحاصروننا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ولكن‭ ‬لاننسى‭ ‬يوم‭ ‬الخندق‭ ‬وغزوة‭ ‬الأحزاب‭ ‬فالشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬قوله‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬تقوية‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬وبعدها‭ ‬للآخرين‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬ولنستشعر‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬بريق‭ ‬الأمل‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬وميض‭ ‬الصخور‭ ‬القاسية‭ ‬وغبار‭ ‬الخندق‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬بأقصى‭ ‬طاقات‭ ‬التعبئة‭ ‬والتوعية‭ ‬ومسابقة‭ ‬الأزمات‭ ‬المتتالية‭ ‬بالوعي‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬فينا‭ ‬على‭ ‬ثغر‭ ‬من‭ ‬ثغور‭ ‬البلاد‭ ‬المفتوحة‭ ‬فليحذر‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬العدو‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬الثغر‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬واقف‭ ‬ومرابط‭ ‬فيه‭.‬
المدرس‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بالأمانة‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬المسؤولية‭ ‬لأنه‭ ‬مرابط‭ ‬على‭ ‬ثغر‭ ‬التعليم‭ ‬فليحذر‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬عدو‭ ‬الجهل‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬وهكذا‭ ‬باقي‭ ‬الثغور‭.‬
والله‭ ‬لو‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬فينا‭ ‬استشعر‭ ‬هذا‭ ‬الاحساس‭ ‬لما‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬ماوصلنا‭ ‬إليه‭ ‬اليوم‭ ‬أخترنا‭ ‬المعلم‭ ‬كمثال‭ ‬لأن‭ ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬الحضارة‭ ‬والتقدم‭ ‬والرقي‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يقودك‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنك‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬أما‭ ‬الجهل‭ ‬فهو‭ ‬عدم‭ ‬الإنسان‭ ‬لتصل‭ ‬به‭ ‬الدرجة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عدواً‭ ‬لنفسه‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لايعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يصلح‭ ‬له‭ ‬والذي‭ ‬لايصلح‭.. ‬والله‭ ‬المستعان‭.‬


شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …