بقلم /طارق الشرع
رغم محاولة القنوات المحلية المسموعة والمرئية والمقروءة رصد مراسم توديع سيد الابتسامة صالح الأبيض لتغطية الحدث بالحوارات والتقارير الصحفية والإذاعية؛ فإنني أعتقد أن الأفكار والكلمات كانت تُستنزف وتُستنفد في أماكن أخرى بعيداً عن الأطر أو التشكيلات الفنية و المهنية، فالحديث عن فقد صانع الابتسامة كان يشغل عامة الناس في كل مكان: فوق طاولات المقاهي وفي طوابير الانتظار الطبية والمعيشية والاجتماعات العائلية وجلسات السمر بمختلف أشكالها، أعتقد بأن سيرة الأبيض الفنية والاجتماعية كقيمة وطنية بوصفه شخصية عامة يهتم بأمرها الجميع أفلتت من قبضة المحللين ومقدمي البرامج في الأستوديوهات المجهزة وجلسات التنظير النقدية بصرف النظر عن مستوى الجودة، وفرت إلى أماكن أخرى، حيث بإمكان محبيه تداول حكاياه وطرائفه واستذكار مشاهده المضحكة بلهجة بسيطة تعنيهم وتعبر عن فقدهم دون الاحتياج لارتداء ملابس رسمية أو البحث في قواميس الكلمات المنمقة.
أذكر اليوم جيداً تلك الحفاوة التي استقبل بها الناس صالح الأبيض في مدينة سبها أثناء إقامة مهرجان المسرح سنة 2009، فرغم إدراج اسمه ضمن قائمة ضيوف شرف المهرجان فإن مجرد وجود الأبيض سبب الحرج للبعض وخلق الفوضى في المكان، حيث كانت الجموع تتجمهر أمام الأبواب أثناء الدخول والخروج باحثة عن التقاط الصور معه أو مصافحته، وفي أسوأ الأحوال الاكتفاء بمشاكسته عن بعد من أجل استدراج موهبته للرد بكلمات مضحكة، كان اسم صالح الأبيض في تلك الأيام أشبه بدعوة للاحتفال بكرنفال فني رفيع في مدينة سبها، حتى أن الجماهير في إحدى الأمسيات تأخرت عن مواكبة بداية أحد العروض الرئيسية لانشغالها أمام أبواب الفندق الموصدة في انتظار صالح الأبيض المتأخر في الخروج من الفندق للتوجه إلى صالة العروض المسرحية.
نعم كان وجود صالح الأبيض مزعجاً لموظفي الفندق ولنجوم المهرجان المهملة ولحركة ضيوف المهرجان ولرجال الأمن في المدينة، لكنه كان السبب في إسعاد حشود من الشباب والأطفال والنساء بمختلف انتماءاتهم واهتماماتهم.
الناس لا تبحث عن رموزها وإنما تكتشفها بعد أن تتحسس أهميتها في حياتها، والأبيض أحتل أهميته بين الناس لأنه كان جزءاً من حياتهم، الأبيض لم يبحث عن فوضى المعايير الفنية وإنما اتجه لهدفه بشكل مباشر دون الانشغال بمبررات وجوده على منصة الضحك، صالح الأبيض قيمة وطنية تخص الجميع لأنه اقتحم حيوات الناس بدون استئذان وشاركهم همومهم ( بنكاته ) وابتسامته المعبرة عن آلامهم، كان أحد أهم مصادر استمتاعهم بالحياة بواسطة اللهجة المحلية عبر طرح قضاياهم البسيطة والمعقدة في قوالب مضحكة بعد أن أنهك المتلقي المحلي من اللهث وراء قضايا لا تعنيه طلباً للابتسامة، فالأبيض كان يدعو متلقيه للسخرية من الفقر والعجز والموت بنصف ضحكة فقط.