كاميرا خلفية
بقلم / أحمد الرحال
قال في اللسان: هَرَدَ الثوبَ هرْداً، أي مزقه. وهرد الطعام أي أنضجه إنضاجا شديدا، ونقل عن ابن سيده: أنعم إنضاجه. وفي شرحه: الهرد هنا هو إنضاج اللحم حتى يتفسخ. ونقل عن الفراء: الهرد الشق.
وفي القاموس المحيط: الهرد هو الهرْج والطعن في العرض. وفي العموم فإن الهرد هو الشق والإفساد والطعن.
قد لا يكون فاعل هرَدَ هو الهارد، لكنني هنا أبيح لنفسي أن أستعمل هذا الاشتقاق (الهارد). ومع استعمال (الهارد) لابد أن يذهب التفكير إلى (المهرود). فبين الهارد والمهرود يقع الهرد.
وإذا كان الهرد يعني الفساد، فمما لا شك فيه أن هذا قد يجرنا إلى الحديث عن الفساد. فلو هرد الهارد خُلُقاً فلابد أن الاخلاق سيصيبها الفساد. وإن هرد الهارد نظاما فسنتذكر إلقاء القمامة في الشارع والفوضى في قيادة السيارات وعدم الالتزام بقوانين عادية. غير أن هرد النظام يأتي من هرد الأخلاق.
ونقول في العامية حين نعبر عن اعتراف شخص ما بشيء أو أشياء: «فلان هرد الشكارة» أي أنه شقها فانفلت منها ما بداخلها.
وفي العامية أيضا قد يحتد النقاش بين اثنين فيتجرأ أحدهما ويتحدث بصراحة مكشوفة فيكون بذلك «هردها» أي فضح بالكلام فقال ما في نفسه أو ربما شتم من يجالسه. وهو بلا شك يفسد الجلسة ذاتها.
وحين يتمادى انسان في الأخذ بحق وبلا وجه حق يكون قد «هردها» أي أنه لم يعد يهمه ما يقال عنه ولم تعد تهمه قيم ولا مُثُل.
كان هناك حديث في الفترة الماضية عن الفساد في البلاد وعن محاربة الفساد، فخطر لي أن أسمي الحالة بواقعها المحسوس، أي بكون المتحدَّثِ عنه هو الهرد. ومنها يأتي قول بعضهم إن «البلاد مهرودة»، أي هناك من يهردها. ويهردها هي بمعنى أنه «عوى فيها».
فمن يحارب طرابلس «يبي يهردها» أي «يبي يعوي فيها». والسؤال المباشر هو: لماذا يهردها؟ هل يريد هردها لأن نفسه مهرودة فلم يعد يعي نتائج هردِه نفسَه لينتج عن ذلك هردَه البلادَ؟
أعتذر من قارئ مقالتي هذه، فربما كان عذري هو أن أسلوبنا نفسه يعتبر مهرودا بسبب ما وقع من حولنا من هرد غرقنا فيه.. وقالوا إن «هردان» و «هيردان» اسمان. والهرُدان والهِرداء: نبت. وهنا من الممكن أن يذهب التفكير إلى أن الهارد الذي يكثر الهرد قد نسميه هُردان أو هيردان، حتى نعرف أن صنعته فعلا هي الهرد بلا توقف. وما ينتج عن فعل الهرد هو الهِردان، أي ينبت الهردان.
ربما أكون متأثرا أثناء كتابتي الآن بحالة الهرد التي جعلت الهرد وهارده والمهرود عبارة عن هِردان فعله الهيردان.
ولن يستقيم الحال إلا بمحاولات لهرد الهرد ذاته علّنا نمسح الطريق أمام التحول من الفساد إلى الإصلاح الذي لابد منه كي ننهض.