منصة الصباح

هواية الأمس.. مشروع الغد

مذاقات اجتماعية

متابعة : كوثر الفرجاني

لا يختلف اثنان على أن المشاريع الصغرى تكتسب أهمية كبيرة باعتبارها أحد الحلول لمشكلة البطالة المتزايدة، وأن هناك نماذج حققت النجاح في هذا المجال الذي يزخر بعديد الفرص للكسب الحلال بحسب ما سنورد تجاربهم في هذا البراح، كما تكشف تجارب وتطبيقات المشاريع الصغرى حقائق جلية عن جدوى هذه الآلية في إخراج الشرائح المستهدفة من دائرة الفقر ودمجها في العملية الإنتاجية، من منطلق أن المشاريع الصغرى نشاط اقتصادي مهم، أصبح يوفر لقمة العيش لعدد كبير ممن يعانون البطالة والأزمات الاقتصادية، والوضع المعيشي المتردي، لدرجة أن بعض هذه المشاريع تحولت إلى قصة نجاح نقلت أصحابها من خط الفقر إلى عالم الثروة والثراء، وهو ما سنحاول أن نرصده من خلال تقديم قصص نجاح عديدة، نورد هذه القصص التي يتحدث أبطالها بشفافية وصدق ، ويقدمون خلاصة تجاربهم، وثمرة نجاحاتهم.

كفاح .. ونجاح

السيدة (وردة صالح محمد بادي)، سيدة ليبية طموحة، استطاعت أن تحقق حلمها، وتحصد ثمار تعبها، مثلها مثل عشرات السيدات الليبيات اللاتي نجحن في خوض غمار بحر المشاريع الصغرى، وكانت البداية من داخل مطبخ البيت، ورسمن بتلك المشاريع قصص كفاح ونجاح تؤكد أن المرأة مازالت هي الشريك الأول والأخير للرجل في مختلف مناحي الحياة.

واليوم؛ ومن خلال صحيفة الصباح، نحن على موعد مع سرد قصة نجاح، تشرع نوافذها السيدة (وردة بادي)، نتعلم منها الإصرار على تنفيذ مشروع قد يبدو لأول وهلة مستحيلا، توضح فيه صاحبة المشروع التي تحولت لسيدة ورائدة أعمال الصعوبات والعراقيل والمطبات التي واجهتها، لتجعل منها سيدة أعمال ناجحة، يشار لها بالبنان، لديها شركة ناجحة، تنتج منتجا محليا وطنيا متميزا بعلامة تجارية متفردة.

علاقة حب

علاقتها بالمطبخ علاقة عشق قديم، ومن خلال الأم التي قدمت لها عصارة الخبرة، وسر المذاق اللذيذ للطبخات والمقبلات، فهو عشق قديم نما لصيقا بها، متوارثا من الأم لابنتها، التي غذت حبها الفطري وأمومتها بكل ما يخص مذاقات الحياة ومشهدياتها ليكون إرثا وميراثا وسرا عائليا متوارثا ينتقل عبر الأجيال، حب متوارث لم يخنها جهدا، ولم يوقفها تعبا، فتعلمت أن تطلق طموحها لتتجاوز أرجاء المكان والزمان، ظلت على ثقة بنفسها وقدراتها، وأن الطموح المشروع لا حدود له، فخطت أولى خطواتها في رحلة طويلة لريادة المال والأعمال.

ست الحبايب

من مطبخها الصغير، وبعد أن تشبعت بخبرة والدتها وتتلمذت على يديها، بدأت منذ سنة 2012 قصة النجاح، ومضت السنوات وهي تشتغل بجهد منقطع النظير ، وخبرة تفسر القدرة المهنية العالية، ومع تزايد الطلبيات وتوسع المشروع، داعب خيالها فكرة معمل صغير، ولكن ما كان يعيقها هو محدودية رأس المال، فكان لابد من شريك ولاحت بارقة الأمل بشريكة صديقة، أطلقت معها سنة 2014 معملها الصغير، الذي أنتج باكورة منتجها الغذائي المتنوع، بعد أن كان المنتج مقتصرا على صنف واحد، ولأن الأم هي منبع الأسرار ، والمعين الذي لا ينبض من الأفكار سمي المشروع ب ست الحبايب

مقومات التميز

اجتهدت السيدة (وردة) ودرست جيداً طريقة إدارة مشروعها، حتى استطاعت الوصول إلى المرحلة التي تحقق لها الرضا عن الذات ، والوصول إلى مرحلة واسعة، من التفوق وزيادة الطلب على المنتج ، الذي تنوعت أشكاله، ولأنها لم تكن بمنأى عن التحدي، أظهرت قوة وشجاعة والعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، وهو ما جعلها تتحول من سيدة تعمل في مطبخها الصغير إلى سيدة أعمال ناجحة، وهي مدركة تمام الإدراك أنها كانت تدير عملا تجاريا صغيرا خاصا بها ، في وقت فراغها المحدود، وذلك للخروج من روتين العمل اليومي الممل، وللحفاظ على ما لديها من قدرة على الإبداع، وهو ما أوصلها إلى اليوم الذي بدأت في تصنيع مختلف أنواع المقبلات والمنتجات الليبية المساعدة لصنع المقبلات،

ومع تحقيق المبيعات التي تساعدها على دفع فواتير لمعمل كبير قررت أعمال أن تتنوع وتزيد من تنوع منتجها الغذائي، وهو ما أكدته في مجمل حديثها مع تأكيدها على امتلاكها لمقومات النجاح، في عالم صناعة المنتجات الغذائية، مع الاجتهاد والمثابرة، والحرص على النظافة والوقوف والسهر على مكونات الخلطات، مرورا بالمساعدة في تحضيرها ، وصولا إلى أدق التفاصيل عند تقديمها للزبائن، وكانت بمجرد الانتهاء من ساعات العمل في وظيفتها تتفرغ للتركيز على تنمية مشروعها التجاري الناشئ.

والآن، وبعد مرور أربع سنوات من انطلاقة المشروع، تعد علامتها التجارية واحدة من أشهر العلامات التجارية المحلية المستقلة العاملة في إنتاج الصناعات الغذائية ، وباتت منتجاتها تباع أيضا في عدد كبير من المحال التجارية والسوبر والهايبر ماركات في عدد من البلديات غريان ومصراتة والخمس، وليس ذلك تقدما قليلا بالنسبة لمشروع سيدة بمعاونة عدد من العاملات غير المحترفات اللاتي تلقين تدريبا عاليا.

مفاتيح التميز

وتقول السيدة (وردة بادي) إن المنتج الذي تنتجه الشركة يتميز عن غيره من المنتجات المنافسة، لأنه معتمد كمنتج غذائي، كما أنه خال من المواد الحافظة الضارة التي يمكن العثور عليها في منتجات علامات تجارية أخرى أو الصبغات والملونات الضارة، وأنه يتميز كعلامة تجارية مسجلة تحت الصنف رقم( 29)و(30)، وهو ما يتيح لها العمل وفق طريقتين للصناعات الغذائية اعتمادا على خبرة الأمهات وذكاء المنتجات ، وفي هذا الصدد تقول

السيدة (وردة ابادي) :

– “الهريسة العربية بطريقة تحضيرها المميز وتتبيلتها الخاصة تعتبر عنصراً  أساسياً ومهماً على السفرة الليبية وفي كل وجبة تقريباً وبالحق هي سيدة السفرة الليبية بلا منازع.

وتوضح أمرا في غاية الأهمية يغيب عن الكثيرين يتمحور حول :

– “ربما يحدث خلط بين عبارتي سلامة الأغذية وجودة الأغذية. فالمقصود بسلامة الأغذية الإشارة إلى جميع مصادر الأخطار التي قد تكون مزمنة أو حادة والتي قد تجعل الأغذية مضرة بصحة المستهلكين. وسلامة الأغذية أمر لا يقبل التفاوض بشأنه. وأما جودة الأغذية فتعني جميع الصفات الأخرى التي تؤثر في تقييم المستهلكين للمنتجات ومن هذه الصفات صفات سلبية مثل التلف، أو التلوث بأي أوساخ، أو تغير اللون، أو وجود رائحة، كما تشمل صفات إيجابية مثل المنشأ، واللون، والطعم، والرائحة، وطريقة تجهيز الأغذية”.

البداية فكرة

تقول سيدة الأعمال (وردة بادي) إن :

– “ دعم المشروعات الصغرى خطوة مهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، فمن خلال هذا الدعم يحصل الشباب على فرص واعدة ومبادرة في المشاركة اقتصاديا، ودعم المنتج المحلي، ومن خلال تجربتي أؤكد أننا قادرون على تطوير وتنمية المنتج الوطني، ودعم الاقتصاد الوطني خاصة مع وجود الطلب عليه، مؤكدة أن المرأة لا تقل كفاءة عن الرجل في مجال المال والأعمال، ووجود سيدات أعمال نجاحات أكبر دليل على ذلك، فالحياة أصبحت تتطلب بذل المزيد من العمل ، وتحسين مستوى المعيشة يتطلب مضاعفة الجهد، وعدم الارتهان للمعاش الحكومي، ومن المعيب أن يتعلم الإنسان ويبقى على قائمة الانتظار للحصول على وظيفة بمرتب بالقطاع العام،

لأن القطاع الخاص والعمل الحر فيه براح أكبر للإبداع والربح والبداية دائما بفكرة

ثمرة الجدية

وتقول سيدة الأعمال (وردة بادي):

– “الفكرة الرئيسة وراء نجاح الشركة هي أنك لست في حاجة إلى أن تبحث عن مكان التصنيع، لأنك تعلم أنها صنعت هنا، محليا كمنتج غذائي وطني، بأيادي ليبية وطنية محلية، وتعلم أن مكوناتها آمنة”.

و تتمتع رائدة وسيدة الأعمال أيضا بمهارة خاصة في استخدامها لشبكات التواصل الاجتماعي لدعم شركتها والترويج الجيد لها، ومن يتصفح صفحة الشركة يرى صوراً جميلة نشرتها السيدة على حسابها بموقع الفيسبوك كانت “ذكية” في عرض فكرتها، وأن الناس ينجذبون إلى ما تنتجه.

وتؤكد السيدة وردة أن :

– “الشغف بمواقع التواصل الاجتماعي واستخدام البيئة التي يوفرها الإنترنت للحديث إلى جمهور أوسع يعني أنك قد تتحول إلى صاحب علامة تجارية صغيرة، وصاحب شخصية ذات تأثير أكبر”.

وهذا ما نراه فعليا من توسع تسويق منتجات الشركة إضافة إلى مختلف المنتجات الأخرى، التي تقوم الشركة على تصنيفها حسب معايير محددة وتنتجها داخل معملها، لكن برغم ما يبدو عليه ذلك العمل من أنه ذا طابع مريح، تتمتع السيدة وردة بادي بروح الإصرار لإنجاح ذلك العمل.

وتقول: “أنا أحب خوض المخاطر، لكنني أضع كل ما بوسعي من طاقة وقوة خلف تلك المخاطر للتأكد من أنها ستنجح”.

وفي الوقت الذي تحقق الشركة نجاحا مستمرا مع تنوع منتجاتها الغذائية وفق الأصناف التي تنتجها، تقول : إن عليها أن تتخذ قرارا حاسما، فإما أن تبطئ من وتيرة التوسع، أو تستمر فيه بنفس السرعة.

وعن مشاريعها المستقبلية تقول في ختام حديثها:

– “ لدي جسم جديد وهي عبارة عن شركة جديدة لتطوير الصناعات الغذائية ، تعمل على كل ما يخص التدريب والتطوير والتأهيل والتغليف والتسويق والمعايرة والاستشارة والقياس، وتعاون برعاية شركة ماليزية للحصول على تدريب مباشر سوف تسفر عنه الأيام القادمة ضمن خطة 2020 نسأل الله التوفيق.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …