بقلم / علي مرعي
مما لا شك فيه أن المنطقة العربية ومنذ الربيع العربي عام 2011 تشهد تغيرات جيوسياسية بالغة الأهمية ، الأمر الذي أحدث تقلبات سياسية مهمة على دول المنطقة داخليا وخارجيا مما سيسبب في إعادة تموضع بعض الدول العربية في محاور إقليمية ودولية وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتوتر وبالتالي الدفع نحو المواجهة بمختلف أشكالها العسكرية والاقتصادية .
وبنظرة فاحصة إلى الجغرافيا العربية وأهميتها بالنسبة للعالم وخصوصا تحكمها بخطوط ملاحة بحرية وممرات جوية مهمة، وامتلاك ثروة كبيرة من النفط الذي هو مصدر الطاقة العالمية، كل ذلك وغيرها يجعلها في بؤرة الأطماع الخارجية من ذلك نرى أن بعض الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة وروسيا تضع المنطقة في بؤرة اهتماماتها ومراقبة ما يجري بها من خلافات، ناهيك عن اهتمام بعض الدول الناشئة مثل الصين وقوى أخرى في الإقليم مثل تركيا وإيران.
إن الأحداث والتوترات العسكرية والأمنية التي عصفت بالمنطقة وخصوصا تلك البلدان العربية التي واجهت تنظيم الدولة في العراق وسوريا قد أسهم بشكل مباشر في تدخل الدول الكبرى بالشأن الداخلي العربي وأصبحوا اللاعبين الرئيسيين في تغيير إحداث تغير جيوسياسي بحيث أصبحت الدول العربية تسير وفق محورين ، الأول أمريكي والثاني روسي وهاتين القوتين لا شك أنهما يعملان بشكل مباشر على حماية بعض دول المنطقة من أي تهديدات إقليمية كما هو الحال في دول الخليج وسوريا والعراق واليمن وليبيا. . ويرى محللون أن الصراع الأمريكي-الروسي قد جعل من المنطقة العربية ساحة لتصفية الحسابات وخصوصا بعد الأزمات التي مرت بها، وما أفرزته من بزوغ الإثنيات والصراع الديني والاستقطاب المذهبي سنة- شيعة إضافة إلى غياب الديمقراطية والعمل السياسي الجاد وغياب ثقافة الحوار، كل ذلك أدى ضعف أداء النظام العربي الرسمي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مما ترتب عليه تدخلات خارجية أقل ما يمكن القول فيه سلب سيادة بعض هذه الدول التي ارتهنت للقوى الخارجية سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا ، بل أكثر من ذلك وجود كثير من القواعد العسكرية وخاصة في دول الخليج .
إن المسألة لم تعد تتعلق بالسيادة الوطنية للدول العربية ، بل أصبحت رهينة لمواقف بعض الدول الكبرى ، فأمريكا على سبيل المثال قد طالبت في أكثر من مرة العربية السعودية بدفع الأموال نظير حمايتها من أية مواجهة مستقبلية مع إيران ، وكذلك ما طلبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليومين الماضيين من أموال لإخراج الجنود الأمريكان من القواعد الأمريكية في العراق ، وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق أيضا على روسيا ، فهي الأخرى ومن خلال دعمها ووقوفها إلى جانب النظام في سوريا ضد التنظيمات المسلحة وعلى رأسها تنظيم الدولة أرادت أن توصل رسائل في عدة اتجاهات (بأننا موجودون) ولنا ثقلنا السياسي والعسكري في المنطقة . . ويبدو أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا يسعيان من خلال تحالفهما مع بعض الدول في الإقليم إلى بناء نظام إقليمي جديد يمتاز بالتواجد العسكري ورسم سياسات جديدة بما يخدم مصالح الدولتين العظميين، دون النظر إلى إحداث تغييرات جوهرية تخرج البلدان العربية من حالة الثبوت وتحسين أوضاعها بما يتماشى مع تطلعات الشعوب العربية في الحرية والمشاركة في صنع القرار السياسي .
ومن نافلة القول أن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في العشر سنوات الماضية كانت كفيلة ببدء حقبة جديدة في المنطقة إلى جهة استفادة بعض الدول الخارجية لاقتناص هذه الفرص، من ذلك أن الرئيس الأمريكي الأسبق وصف هذه المتغيرات بالفرصة التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تنسجم انسجاماً كلياً مع الأهداف العليا لأمركة العالم، وكذا الحال بالنسبة لروسيا الاتحادية التي ترى في هذه المتغيرات فرصة سانحة لإيجاد موطئ قدم في المنطقة لمواجهة التمدد الأمريكي، خاصة في ظل الصراع القائم على النفوذ والصراع الجيوبوليتيكي ، وتحاول روسيا البحث عن دورها الذي فقد مع تلاشي الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة بالقطبية الواحدة وهو ما ترفضه روسيا حاليا التي تعمل على إلغائه عبر إقامة تحالفات جديدة في العالم وخصوصا مع الدول التي على خصومة مع أمريكا .
وبداهة يجب القول أن كلا من أمريكا وروسيا يدركان جيدا أن أي خلاف أو توتر بينهما في المنطقة لن يكون لصالحهما، وبالتالي فإن البلدين بحسب كثير من المحللين السياسيين يعتقدون أن التوافق على إدارة أزمات المنطقة يخفف التوتر بينهما، وبمعنى أصح فإن تقاسم النفوذ بينهما سيضعهما في خطين متوازيين دون اللجوء إلى أية مواجهة مستقبلية.
إذن من هذا المنطلق ، فإن على الدول العربية أن تعي جيدا أن التدخلات الخارجية في شؤونهم الداخلية سيجرهم إلى مزيد من التناحر والتقاتل وإشعال حروب الفتنة فيما بينهم، وبالتالي لا بد من إيجاد حلول جوهرية للمشاكل الداخلية العربية وفي مقدمتها إرساء دعائم الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لأن الطامعين بالمنطقة يسعدهم أن تبقى الأزمات والتوترات طافية على سطح الأحداث، لأن ذلك سيحفزهم على التدخل بصورة مباشرة كما هو حاصل اليوم بالفعل في أكثر من بلد عربي.