هذا قدر الفنان
صباح الفن
عبدالله الزائدي
في 25 ديسمبر عام 2009 ، رحل في صمت الفنان عبدالله الريشي بعد رحلة مميزة و باذخة بالفن الجميل الرصين مع التمثيل، وقف فيها على خشبة المسرح وأمام كاميرات التلفزيون والسينما وخلف لاقط الصوت وفي استديوهات الراديو ، كان ممثلا متمكنا ذو صوت قوي وأداء متقن ، ورغم ذلك العطاء الفني البهي، لكن رحيله وككثير من الفنانين الكبار في بلادنا وللأسف كان في صمت ، ربما تجد تأبينا وغالبا يكون بسيطا ، يحضره بعض الأصدقاء،وقد يبعث الوزير برسالة تعزية باردة لاسرته، وقد تصدر وزارة الثقافة نعيا موجزا باهتا لمجرد برستيج الوزارة ، هذا قدر الفنان الحقيقي هنا ، رحل محمد الساحلي ومصطفى المصراتي ورجب اسماعيل وعلى العريبي واسماعيل العجيلي وعيسى عبدالحفيظ واخرين ، وكأن انجازهم في تأسيس الدرامة الليبية لا يعني شيئا وازنا في المجتمع ، يستحق الاهتمام والدفع له وبه، وكانهم اذ يقدمون حياتنا وقصصنا ممثلة في شكل فني تعبيري تشخيصي ، انما يقدمون تسلية عابرة ، لا قيمة فيها من الوعظ والارشاد و من الحفاظ على القيم الانسانية ، وبصراحة مكاشفة لنقول ان فينا من لايدرك ان مسرح الدراما هو صورة من مسرح الحياة بكل صراعاتها وما فيها من نبل ومن قبح ، وأن الفنان عندما يقدم الشخصيات يجسد صورة هذا الصراع ، لنرى واقعنا وعيوبنا و حسناتنا ، نرى حياتنا ولغتنا و نزواتنا و برنا وعقوقنا ، نرى بيوتنا وشوارعنا ومفرداتنا ، نرى اطفالنا ومسئولينا ، نرى مستقبلنا وحاضرنا ، ثم بعد كل ذلك يرحل الفنان وكأنه طيف عابر ، هناك من يحزن ، وهناك من يحمل وردا ليضعه على القبر ــ وهذا بالمناسبة نادر ــ او وزير يكتب نعيا باردا ليتظاهر بانه مهتم بالعمق وانه مثقف ، هكذا يذهب الرواد المنجزون ، لا تتحول قصص كفاحهم الفني ونماذج اعمالهم الرائدة الى دروس في المناهج الدراسية ، لا يكرسهم التلفزيون الرسمي ، ولا حتى الخاص كشخصيات ساهمت في توعية المجتمع وقدمت الفن الذي هو ضمير المجتمع ،لاتماثيل لهم ولا تطلق اسمائهم على الشوارع او المدارس او الميادين كما يليق بالفنان باعتباره ضمير المجتمع ، لا تدعم اسرهم و لايحضون كرواد مؤسسين بأي مزايا تقديرية ، لا توثيق لاعمالهم توثيقا مبرمجا ومنظما ،بل ان الكثير من الاعمال ضاع وتلاشى ، فعلى سبيل المثال هل تجدون نسخة من مسلسل الضباب لعبدالله احمد عبدالله وكريمان جبر او مسلسل الهاربة لحميدة الخوجة وعياد الزليطني؟ .
هذا المشهد المرير يعكس النظرة للفن في بلادنا ، نحن لاننظم مهرجانات دراما سنوية لتكريم الفنانين والاعمال المنجزة ، لانه لا توجد صناعة دراما ، وفي المسرح وبجهود ذاتية وتنظيم متواضع وعلى فترات متباعدة تقام مهرجانات مسرحية ، فكم دورة مثلا من المهرجان الوطني للفنون المسرحية في بلاد عمرها من الاستقلال سبعون عاما ؟ هي عشر دورات وبعض مهرجانات مسرحية اخرى متفرقة تقام منها دورتان او ثلاث وبجهود الفنانين المسرحيين ، ولا توجد مهرجانات سينمائية لانه لاصناعة سينمائية في بلادنا، بل لا دور عرض سينمائي منذ زمن بعيد ، كل هذا ينعكس على الفنان ولك تخيل جهده وتعبه لانجاز العمل الفني ، وبعد كل تلك المكابدات تسدل الستارة على حياته و يرحل في صمت ، وهو في الواقع صمتنا نحن فنحن من نعيش في صمت ، اما الفنان فستبقى اعماله حية وسوف تأتي اجيال قادمة تقدره كما يستحق .