بقلم: د . المهدي الخماس
“ليس لديك فيها ناقة أو جمل” أو “اترك الجمل بما حمل لأنك تنفخ في قربة مشروكة”. أسمع هذه الجمل كثيرا في المجتمع الليبي. ولامني الكثير على اهتمامي بالتعليم الطبي حيث ان الأبناء كبروا والسن تقدمت وأنه ليس لدي مصلحة شخصية مباشرة.
أشكرهم على رأفتهم بي وبالزملاء الذين لازالوا يحاولون ترك بصمة في التعليم الطبي في ليبيا. وأود أن أعلمهم أنه جميعنا لدينا ناقة وجمل في كل ما يجري. لدينا الأخ والأخت والأحفاد والأقارب والأصدقاء وغيرهم. نعم نود لهم رعاية طبية مقبولة علميا وأخلاقيًا. نعم أخلاقيا. فالطب هو كرسي ذو ثلاث أرجل رئيسية ليقف بدون مساعدة. رجل التشخيص ورجل العلاج والرجل الثالثة والمهمة كذلك هي رجل الأخلاق والإدارة.
الرجل الأكثر ضعفا في كرسي المنظومة هي رجل الحرفية وأخلاق المهنة. صحيح الطبيب الليبي حقه مهضوم في ظل التخبط الإداري وعدم فهم المهنة وأخطارها وأهميتها لإقتصاد المجتمع واستقراره. الطبيب الليبي هو إنسان له متطلبات أسرة. له بيت يحتاج صيانة وزوج أو زوجة وأطفال ومدارس وحاجة الى تعليم مستمر وتطوير مهارات وقدرة نفسية محدودة.
عندما نخاطبه بأنها مهنة إنسانية وطالما دخل لها من الباب الرئيسي فلا يحق له الشكوى ونتوقف عند هذا الحد، فإننا نفتح له الباب الخلفي لطريقان ونترك له حرية الاختيار. الطريق الأول أن يستمر حتى يَهلُك جسمه وتهلك نفسيته ويندثر أو يترك المهنة أو يموت. والطريق الأخر أن يختار الطريق الخاص ليوفر حياة أفضل لبيته ومن هم محتاجون لرعايته الأسرية. الطريقان خطورتهم واضحة وأثارهم السلبية جسيمة. الخاسر الأكبر المريض الليبي والطالب الليبي والإقتصاد الليبي.
الطريق الخاص في ظل عدم وضوح الرؤية السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي تركت ثقوب كثيرة في جيب المواطن الليبي وأفرغت مؤسسات القطاع العام الصحية من الخبرات والمعدات. كذلك أرهقت الطبيب الليبي من اتباع طريق المهنية وأخلاق المهنة. وأفرغت المجال من القدوة الحسنة والمعلم الطبي ذو الأخلاق العالية. طبعا العوامل المؤثرة أكثر من ذلك ولكنها متداخلة جدا والعامل الاقتصادي ليس المسؤول الوحيد.
أصبحت أخجل من الحديث عن أخلاق المهنة والطبيب الليبي لا يجد من يدربه ومن يضمن له حياة كريمة قريبه من عمله في الخاص ولا يجد من يحميه من الإهانات من قبل المجتمع ومن قبل القوانين. ولهذا أخي العزيز واختي العزيرة كلنا لدينا ناقة وجمل في التعليم الطبي والمطالبة بحقوق لأطباء والمهن الصحية وحقهم في الحياة الكريمة وفي تطوير معلوماتهم ومعها المطالبة بواجباتهم ومسؤولياتهم عن صحة المواطن وصحة جيبه. أرفع القبة تحية واحتراما للطبيب الليبي المناضل الذي لازال يحصل على قوته بعرق جبينه ويطور من نفسه في ظل هذه الظروف الراهنة ولا يتقوت عرق جبين المواطن الغلبان.