بفلم/سليم يونس
لا يمكن توصيف حضور سفراء ثلاث دول خليجية هي البحرين والامارات وعمان إعلان السمسار الرئيس ترامب صفقة القرن في التاسع والعشرين من شهر يناير 2020 والتصفيق لإعلان الصفقة، سوى تعبير عن موقف تلك الدول من الصفقة شكلا ومضمونا.
وإذا ما اعتبرنا أن من حق هذه الدول أن تحضر وتصفق أو حتى ترقص حماسة للصفقة وراعيها، باعتبار أن ذلك يخدم مصالح دولها، فإنه من غير المقبول أن تلعب هذه الدول دور «المحلل الشرعي» للفعل غير الشرعي الذي أقدم عليه ترامب وصهرة مع نتنياهو، على حساب حق الشعب الفلسطيني في وطنه. كون ذلك الفعل ينسف قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة وقرار محكمة العدل الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية، ويتعمد مع سبق الإصرار فرض الاستسلام على الفلسطينيين.
ويمكن للقاري أن يقارن بين موقف بعض دول النظام الرسمي العربي من الصفقة، وبين رأي منظمة جي ستريت ، وهي مجموعة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل، في خطة ترامب التي وَصَّفتْ الخطة بأنها «ليست خطة سلام، إنه سلام مزيف، وأضافت «ستطبق إسرائيل قوانينها على غور الأردن وعلى الجاليات اليهودية في يهودا والسامرة هذا تعريف للضم. هذه خطة إلحاق، وليست خطة للسلام».
هذا موقف منظمة مؤيدة للكيان الصهيوني تقول فيه إنه لا توجد خطة سلام، لكن المعيب أن لا تجرؤ العديد من الدول العربية على رفض خطة ترامب، على أساس أنها خطة تريد فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، لذلك بدأت مواقف الدول العربية أقرب إلى موقف الإدارة الأمريكية، فوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، رأى أن هناك “عناصر إيجابية في خطة ترامب للسلام، ويمكن أن تكون أساساً للتفاوض”، ليكون السؤال على ماذا سيكون التفاوض؟ وماذا بقي للتفاوض حوله؟ إذا كانت إدارة ترامب والكيان الصهيوني قد بدأ إعداد الخرائط للحدود التي رسمتها صفقة ترامب بإضافة المناطق المقتطعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى كيان الاحتلال.
لكن وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، ذهب أبعد من ذلك؛ بأن نشر على حسابه بتويتر مقالا للرأي بصحيفة أجنبية، يعيب فيه على الفلسطينيين رفضهم لصفقة القرن المشبوهة بأن قال «في كل مرة يقول الفلسطينيون: لا.. يخسرون»، ومن خلال مواقف الدول العربية يبدو واضحا أنها لا تتبنى الموقف الفلسطيني على قاعدة أنها ربما تكون أدرى بمصالح الفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم، من ذلك أنه في الوقت الذي يعتبر بعض الصهاينة اليهود أن الخطة بمثابة فرض استسلام على الفلسطينيين وليست حلا، يغالط الموقف القطري ذلك الواقع عبر الإعراب عن تقديره لما سماه، مساعي الإدارة الأمريكية الحالية لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
وهو ما أكد عكسه تماما نتنياهو الذي خاطب في مقال له الناخبين الإسرائيليين عموما، وناخبي اليمين واليمين المتطرف خصوصاً، بأن «الخطة تفرض شروطا متشددة وصارمة على الفلسطينيين مقابل صفقة مستقبلية، وبين أمور عديدة، تلزم الخطة بتغيير أساسي للمجتمع الفلسطيني». أي تغيير في العقل الفردي والجمعي الفلسطيني المتعلق بديمومة وثبات حقه في أرضة.
فإذا كانت الخطة حسب نتنياهو «، تضمن اعترافا أميركيا بضم المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل». فما وجه التقدير القطري هنا، هل لأن الإدارة الأمريكية أعطت ما لا تملك للسارق الصهيوني ما لا يستحق؟
ولا ندري أيضا على أي أساس عبرت وزارة الخارجية المغربية عن تقديرها لـ»جهود السلام التي تبذلها إدارة دونالد ترامب، وفي أملها إطلاق دينامية بناءة للسلام»، مشيرة «إلى أهمية هذه الرؤية ونطاقها»، إن كون أنها بناءة وهامة من قبل المغرب، هو مجرد لغو، فعلى أي أساس يأتي تقدير المغرب؟ هل لإن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة كما كتب نتنياهو: «هم من سيقررون ما «إذا استوفى الفلسطينيون شروط قيام دولة فلسطينية (وهي شروط تعجيزية)»؟
أما مصر أكبر دولة عربية التي كان الكيان الصهيوني قد بدأ الاختراق الاستراتيجي للموقف العربي عبرها بعقدها معاهدة سلام كامب ديفيد مع كيان الاحتلال، وهي المعاهدة التي أسست لصفقة القرن وحالة الانهيار في المشهد العربي، فإن الخارجية المصرية دعت فلسطين وإسرائيل إلى «دراسة متأنّية» لخطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط، ودعت الطرفين المعنييّن بالدراسة المتأنية للرؤية الأميركية لتحقيق السلام،» في تجاهل فاضح إلى أن خطة ترامب لا تتحدث عن سلام بل عن استسلام، وبالتأكيد من يقول غير فهو سيء النية.
ولعل فيما أكده رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الذي كتب أن «إسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان ستقرران ما إذا استوفى الفلسطينيون كافة الشروط، ومن أجل الدخول في مفاوضات، الفلسطينيون ملزمون: بالتوقف فورا عن دفع رواتب «للمخربين» (الأسرى وعائلات الشهداء)؛ والتوقف عن أي محاولة للانضمام إلى منظمات دولية دون مصادقة إسرائيل».
بل إن «كل هذه الشروط المسبقة مطلوب من الفلسطينيين تنفيذها قبل الدخول لمفاوضات سياسية، ومن أجل إنهاء المفاوضات السياسية، عليهم استيفاء الشروط التالية: الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية؛ الاعتراف بالقدس الموحدة كعاصمة إسرائيل؛ الموافقة على سيطرة أمنية إسرائيلية على كل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن –جوا وبحرا وبرا؛ ووقف التحريض ضد إسرائيل، بما يشمل المنهاج الدراسي في كتب التدريس وجميع مؤسسات السلطة الفلسطينية».
وكذلك والحديث لنتنياهو «نزع كامل للسلاح في غزة ومن أيدي جميع السكان الفلسطينيين؛ والتنازل كليا عن «حق العودة»؛ ونزع سلاح حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الإرهابية الأخرى وإضافة إلى ذلك، بعد توقيع الصفقة، إذا لم ينفذ الفلسطينيون الشروط الأمنية المطلوبة منهم، سيكون بإمكان إسرائيل قلب الخطوات التي نص عليها الاتفاق».
إن كشف نتنياهو لطبيعة صفقة القرن، فيه رد وكشف ليس على بؤس مواقف النظام الرسمي العربي، بل وتواطؤ هذه الدول مع الصفقة الأمريكية-الصهيونية على حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في أرضه ووطنه وحقه في تقرير المصير والعودة، ولذلك اعتبرها نتنياهو «أكثر خطة ودية تجاه إسرائيل، وهي كما سماها «انقلاب تاريخي لمصير إسرائيل» .. ومن دون علاقة بموافقة الفلسطينيين أو عدم موافقتهم، نحصل على اعتراف أميركي بمناطقنا، بينما يطالب الفلسطينيون بتقديم تنازلات كبيرة فقط من أجل الدخول في محادثات!».
ليس هذا فحسب وإنما سوف تلاحق الخطة بعض الدول العربية بدعوتها إلى «تشكيل نظام دولي لتسوية قضية اللاجئين اليهود الذين أرغموا على الهروب من دول عربية وإسلامية» كما «تدعو الدول العربية إلى التوقف عن مبادرات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى».
وأخيرا هل بعد كل هذا، يوجد مجال لحديث التقدير والترحيب بالخطة المؤامرة الذي أنتجها عقل صهيوني بامتياز، وليأتي من بعد عبد الله بن زايد ليقول «في كل مرة يقول الفلسطينيون: لا.. يخسرون»، ليكون السؤال ماذا سيخسر الفلسطينيون، إذا كانت الخطة قد جردتهم من كل شيء، حتى الحق في التنفس؟!