منصة الصباح

مُسلسل النَّوايا الطَّيبة .. متى يتوقف ؟!

بقلم / عبدالباري رشيد

مجلس الأمن الدولي هل حقاً لا يملك سوى النوايا الحسنة والدعوات لوقف حنفيات الدماء والعدوان القائم منذ أكثر من تسعة على عاصمة إحدى الد ولة العضو بالأمم المتحدة وهي ليبيا ـ هذا ما يلحظه المراقبون للمشهد الليبي طوال تلك الفترة ـ حيث رصدوا سلسلة بيانات تصدر عن المجلس وكلها عبارة عن دعوات للأطراف الليبية بوقف التصعيد والالتزام بوقف إطلاق النار ـ ودعمه الكامل للمبعوث الأممي سلامة ، وهذا ماتضمنه مثلاً بيانه الأخير أو أن ديسمبر الماضي ، والذي أضاف فيه تذكيره لأعضاء المجلس بالتزام الأطراف الليبية بالعمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة على النحو الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر «باريس» في شهر مايو 2018 م وفي «باليرمو» في نوفمبر من نفس العام وفي أبوطبي من شهر فبراير من العام 2019 م .. وهنا يتساءل المراقبون هل هذا هو أقصى ما يمكن أن يفعله الأمن الدولي ـ باعتباره أعلى سلطة في الأمم المتحدة ولديه صلاحيات كاملة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع العدوان ونشر ما يعرف بقوات القبعات «الزرقاء» وغيرها من الترتيبات المنصوص عليها في الميثاق الأممي ـ الذي يخصص للمجلس بابا كاملاً وبنصوص قانونية ملزمة يستطيع تنفيذها لاستثباب الأمن والاستقرار سواء بين دول متحاربة أو حتى داخل الدولة الواحدة التي تشهد مثلاً حرباً أهلية .. فهذه هي مهمة مجلس الأمن الدولي وقد مارس المجلس صلاحياته في أكثر من موع  على خريطة العالم، ولكنه وفي الملف الليبي وقف «عاجزاً» تماماً عن ردع العدوان على عاصمة دولة عضو بالأمم المتحدة واكتفى بإصدار البيانات طوال الشهور التسعة الماضية والتي لم تنفذ حتى مدني واحد من العدوان ولم تمنع نزوح العائلات وكلمات المجلس لم تغادر الأوراق والوثائق التي كتبت عليها، وجرى حفظها في أدراجه، وحتى أمين عام الأمم المتحدة في تصريحات أخيرة له أواخر ديسمبر الماضي وخلال مقابلة مع صحيفة «لاستامبا» الإيطالية كرر نفس أسطوانة مجلس الأمن وقال بالحرف الواحد مازلت أدعو إلى وضع حد للتصعيد .. والدعم النشط لجميع الليبيين ولإيجاد حل سلمي وسياسي ..

وشدد في تصريحه على ضرورة مواصلة كافة الدول للانضمام إلى الأمم المتحدة في حث الجميع على تجنب التصعيد .. ولم يشير من قريب أو حتى من بعيد إلى الطرف المعتدي بل وضع الجميع في سلة واحدة !! وهذا هو حال الأمم المتحدة منذ بداية العدوان على عاصمة كل الليبيين طرابلس وحتى هذه اللحظات فهي لم تسمى الأشياء بأسمائها ولم تشير إلى الطرف المعتدي .. الذي يصعد عدوانه ليس فقط على العاصمة بل يتجاوز ذلك إلى مدن أخرى .. ولقد كانت حكومة الوفاق واضحة في خطابها الدبلوماسي على صعيد الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية وأشارت في أكثر من مناسبة إلى قصور مجلس الأمن بصفة خاصة في الملف الليبي ، فمثلاً مندوب «الوفاق» وفي جلسة لمجلس الأمن يوم 30 يوليو الماضي أعرب عن أسفه لعدم اتخاذ المجلس قراراً بوقف العدوان على طرابلس، وبأن ذلك العدوان ما كان ليستمر لو جرى مواجهته لقرارات حاسمة مذكراً أعضاء المجلس بأن حكومة الوفاق رغم العدوان تؤمن بالحل «السلمي» لبناء الدولة .. وبأن المواطن الليبي بدأ يشعر بتحسن في مستوى الخدمات المقدمة له وبأن هناك ترتيبات أمنية جرت بالتنسيق مع الأمم المتحدة ويضف إلى ذلك قوله كنا نتطلع إلى أن تعزز تلك الجهود بعقد مؤتمر جامع يخرج البلاد لبر الأمان ولكن عدوان 4 أبريل قوض تلك الجهود .. وبأن حكومة الوفاق مستعدة للتعاون مع مجلس الأمن فيما يقرره لصالح الشعب الليبي .. لإدراكها ويقينها بأنه لا حل عسكري للوضع في ليبيا .. ومثل تلك الحقائق والاشارات من طرف الوفاق لم تجد آذاناً صاغية من القوى الكبرى المؤثرة في مجلس الأمن والتي ظلت تراهن على وقائع أخرى تدور في مخيلتها وتنسجم مع مصالحها الخاصة !! دون الالتفات إلى عذابات الليبيين الذين وقعوا ضحية عدوان استمر تسعة شهور .. وحصد معه أكثر من ثلاثة ألاف ضحية فضلاً عن أكثر من سبعة ألاف مصاب وجريح وتشريد ما يزيد عن 200 ألف مواطن أصبحو نازحين في وطنهم .. ومثل تلك الأرقام مرصودة من طرف المنظمات الدولية .. كمنظمة الصحة العالمية ومفوصية اللاجئين وغيرها .. بمعنى أن كافة الدول على علم تام بتفاصيل المأساة والكارثة التي حلت بسكان طرابلس وضواحيها جراء العدوان المستمر والمتواصل حتى هذه اللحظات والذي شهد العالم بأسره الفصل الأسوأ فيه خلال الأيام القليلة الماضية حين تم قصف الكلية العسكرية بصاروخ من طائرة مسيرة إماراتية مما تسبب في أستشهاد 30 طالباً مستجداً من أبناء ليبيا من مختلف مدنها وإصابة 33 آخرين !! ومثل تلك الجريمة كسابقاتها التي طالت مدنيين في أكثر من مدينة لم تحرك ساكنا لدى الأمم المتحدة التي أكتفت كعادتها باصدار بيان استنكار وإدانة ، ولقد كان رئيس المجلس الرئاسي صادقاً وواضحاً حين أعلن مثلاً وعلى هامش الانعقاد الدورى العادي 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة .. وخلال مشاركة في اللقاء الذي نظمته جامعة «جونز هويكنز» الأمريكية .. بأن المجتمع الدولي تخلى عن الليبيين وأشار أيضاً إلى العراقيل التي تعيق المسار السياسي في البلاد حيث لم تلتزم الأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي بالصخيرات بالاستحقاقات الواردة فيه وتبنى بعضها طريق المساومات والمزايدات فصلاً عن وغياب الموقف الدولي الحازم تجاه المعرقلين .. أضافة إلى التدخل السلبي الخارجي من بعض الدول في الشأن الداخلي الليبي .. ومثل هذا الموقف الصريح والواضح لحكومة الوفاق والذي طرحته كما أشرنا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي ، جددت التأكيد عليه وفي أكثر لما يعرف بمؤتمر «برلين» وجولات وزير خارجية ألمانيا المكوكية للعديد من العواصم الأوروبية والعربية وزيارات وفود رسمية إيطاليا للعاصمة طرابلس .. فضلاً عن استقبال رئيس المجلس الرئاسي مثلاً لسفيري الاتحاد الأوروبي وألمانيا في طرابلس أوائل ديسمبر الماضي حيث أكد لهما تمسك حكومة الوفاق بالثوابت الوطنية في معالجة الأوضاع في ليبيا محلياً ودولياً وعلى ضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي والأجسام المنبثقة عنه كمرجعية أساسية لأي حوار أو اتفاق .. وبأن أي حديث عن وقف لإطلاق النار يرتبط بانسحاب القوات المعتدية كما أكد على ضرورة مشاركة كافة الدول المعنية بالملف الليبي في قمة برلين .. وعلى الجانب الأوروبي يلمس المراقبون تفاؤلاً ناجماً عن تلك الجولات المكوكية واللقاءات المتعددة في نطاق الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الكبرى وحاصة الولايات المتحدة الأمريكية .. حيث كشف مثلاً وزير خارجية ألمانيا السيد «هاس» مؤخراً عن توافق بلاده مع الإدارة الأمريكية حول مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية ، مؤكداً بأن أمريكا مهتمة للغاية بالمؤتمر وبأنها ستمارس تزثيرها لإنجاحه وبأن الجميع مهتم بنزع فتيل عدم الاستقرار في ليبيا .. لكون الصراع فيها لا يمكن حسمه عسكرياً.

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …