منصة الصباح

مَوْتِي قَبْلَ أَنْ تَتَقَدَّمِي

باختصار

ما رأيناه مؤخرًا في موسم الرياض ليس مجرد مشاهد عابرة غايتها الترفيه، بل هو تحدٍ صريح للقيم الإسلامية واعتداء على قدسية أرض الحرمين الشريفين أرض مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد تحولت الأرض التي طالما اعتبرناها رمزًا للإسلام إلى مسرح لعروض غنائية صاخبة، وراقصات شبه عاريات يتمايلن دون أدنى احترام للمكان الذي يحضم أقدس بقاع الأرض. 

هذه المشاهد الصادمة جعلت الكثيرين من مسلمي العالم يتساءلون: أين هم شيوخ الدين من أبناء أرض الحجاز مما يحدث؟ كيف يمكنهم الالتزام بالصمت أمام هذا الانتهاك الواضح لحرمة الأماكن المقدسة وتعاليم ديننا؟

من المؤسف أن نشهد هؤلاء الشيوخ والعلماء الذين لطالما انشغلوا بصغائر القضايا ينامون في سبات عميق أمام ما يحدث في الأرض التي تمثل قبلة مسلمي الأرض، لاسيما وأنهم كانوا يملأون المنابر بخطب عصماء بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي، ويهاجمون كل من يخالف اجتهاداتهم في مسائل فقهية فرعية، لكنهم اليوم يغيبون تمامًا عندما يطلب منهم الدفاع عن رموز الدين وقيمه الكبرى، بل إن البعض منهم تجاوز مرحلة الصمت إلى مرحلة التشجيع والدعم والدعاء للقائمين على هذه الفعاليات بالتوفيق والنجاح.

كيف يمكن أن نفسر هذا التناقض الواضح؟ وهل يعقل أن تصبح القضايا الصغيرة أكثر أهمية لديهم من الحفاظ على قدسية بيت الله وأرض الحرمين؟.

إن الحديث عن الحداثة والتقدم لا يمكن أن يكون مبررًا لما يحدث، ولكن أي حداثة تلك التي تقتلع جذور القيم الإسلامية من قلب المجتمع؟ وأي تطور يجيز العري والغناء الصاخب في مكان يفترض أن يكون رمزًا للخشوع والتقوى وقبل كل ذلك هو قبلة للمسلمين جميعاً؟.

إن التطور الحقيقي هو الذي يحترم الخصوصيات الثقافية والدينية للأمم، لا ذلك الذي لا يراعي أدنى درجات الاحترام لمقدساتنا العربية والإسلامية بعروض استعراضية لسيدات عاريات.

ما حدث في موسم الرياض ليس مجرد ترفيه، بل هو رسالة استفزازية تستهدف مشاعر المسلمين في كل مكان، فالكعبة ليست مجرد معلم سياحي تملكه دولة بعينها، بل هي قبلة ملياري مسلم، ورمز للإيمان والطهارة التي تعبر الزمان والمكان، هل يعقل أن تتحول إلى خلفية لمشاهد تتنافى مع تعاليم الإسلام وقيمه؟.

أوليس علماء الإسلام هم ورثة الأنبياء والناصحين للمسلمين فيما له علاقة له بالدنيا والدين؟ أوليست المسؤولية اليوم تقع على عاتقهم أكثر من أي وقت مضى؟ أم أنهم لا يعرفون أن صمتهم هذا هو تواطؤ ضمني مع من يستهين بالمقدسات؟.

فإذا كان العلماء يختارون بعناية القضايا التي تمس الدنيا والدين لكافة المسلمين، فكيف يمكنهم تبرير غيابهم عن قضية بهذا الحجم؟ أليس من واجبهم أن يرفعوا أصواتهم دفاعًا عن الدين وحرمة الحرمين؟ أم أن خشية المواجهة جعلتهم يكتفون بالحديث عن العصيدة في المولد النبوي وأخواتها من القضايا الموسمية؟.

ما حدث في موسم الرياض تجاوز كل الحدود، إنه ليس مجرد استعراض للحداثة، بل هو هجوم على جوهر الإسلام وتعاليمه وقيمه العميقة، وإن كان هذا ما يسمى تقدمًا، فقد صدق الشاعر حين قال: إن كان ترك الدين يعني تقدماً… فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي.

لقد أصبح من الضروري أن ندرك أن هذا التهاون في التعامل مع المقدسات ليس خطوة نحو المستقبل، بل هو تهديد لهويتنا الإسلامية واعتداء على ما يمثل أعمق رموز الإيمان لدى المسلمين.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

الروايات بخوتْ

جمعة بوكليب زايد…ناقص حين صدرتْ روايته الأولى(خبزُ على طاولة الخَال ميلاد) منذ سنوات قليلة مضت، صار …