منصة الصباح

ملك الفصول

جمعة بوكليب

زايد ..ناقص

مرحباً بالصيف، بالملك بين الفصول، وهو يعلن عن وصوله، عائداً إلينا، في موكب مهيب، يليق بفخامته. تاجه الصحو، وصولجانه تألق الزرقة، والبحرعرشه. هاهو يصلنا مرفوقاً بما في  من سموات  قلبه من ضياء شموس وصفاء، وبما في خفق روحه من كرم وعرائش وعناقيد، وبما في نور حضوره من بهجة وبهاء ونقاء.

العلاقة بين البشر والفصول متميزة. محبو الشتاء لايشبهون المولعين بالصيف. وعشاق الربيع لايتوافقون وأصدقاء الخريف. لكن اختلافهم لايفسد للود قضية بين الفصول، بل هو يثري الخيال، ويزيد في خصوبة الحياة، وتنوع أرواحها، وأمزجة أهلها.

الصيف فصل  يجيد التحدث بلغات الحب والعشق والفرح والمرح والبحر.وصيف هذا العام، لحسن الحظ، على عكس سابقه، جاء محمّلا بأخبار مُغلفة، نسبياً، بالمسرّة. أولها تراجع جيوش الوباء الفيروسي في مختلف قارات العالم. هذا الانسحاب الأوّلي، قد يقود إلى انسحابات في جبهات أخرى مازالت مشتعلة، خاصة في أمريكا اللاتينية، وتحديداً في بلدين هما البرازيل والمكسيك، بسبب ما أبدته قياداتهما السياسية من استهانة بالعدو، وتهاون في الاعداد المناسب لدرء شروره. وهما الآن يعانيان من ويلاته.

العديد من مدن العالم بدأت، مؤخراً، تغادر الحّجَر الصحي المفروض، وتفتح أبواب قلوبها وبيوتها، وحوانيتها ومقاهيها،ومصانعها، ومدارسها، وجامعاتها، ومساجدها وكنائسها ومعابدها، وبدأت تتنفس هواء فصل صيف جديد، وتمرح على شواطيء  مختلف البحار بحرّية. البعض الأخر مازال متهيباً، حذراً، مخافة التسرع والوقوع في شراك الوباء من جديد. لكن على الإجمال، أمواج الوباء في انحسار تدريجي وتؤكد الأخبار يومياً  أن المختبرات العلمية المتخصصة، في كثير من عواصم العالم الغربي، بدأت تجاربها المختبرية في الاقتراب من الوصول إلى لقاح واقٍ يقي البشرية من شر الوباء. هذا من ناحية

من ناحية أخرى، ترافق وصول الصيف – الملك بتوقف هدير القنابل في ضواحي طرابلس، الذي ظل متواصلاً لأكثر من عام، وأذاق أهلها الأمرّين، ومهدداً المدينة بالدمار وبالموت. وبدأ  الأمل المفقود، منذ عام،  يجد طريقه عائداً إلى قلوب سكان المدينة، بعد أن فَرّ هارباً، وتركهم لاقدارهم ولمصائرهم.  وكأن الله العظيم استجاب إلى صلواتهم وصيامهم ودعائهم، فصمتت آلة الحرب، وتفتقت واعدة أزهار وابتهالات السلام، ونأمل أن يكون سلاماً دائماً عاماً شاملاً لكل البلاد والعباد.

طرابلس مدينة، اختارت من بين الفصول، بمحض ارادتها، منذ القدم، الانحياز للصيف. ولهذا السبب تستعد، كل عام، لاستضافته بفرح، وتستريح لحضوره ووجوده في ضيافتها، لأنها تعشق صُحبة صحوه، وتستمتع برفقة تألق زرقة سمائه، وتستجيب لوشوشة موج بحره، وطراوة نسيم مساءاته، وتشتهي ما يحمل إليها في سلاله العديدة من خضر وفواكه، وأزهار وورود،  وما يميز لياليه من زغاريد أعراس، وايقاع طبول أفراح. وهو يعرف ذلك، ولهذا يحرص، من جانبه، على أن تطول اقامته بها لأطول فترة زمنية ممكنة. ولعل هذا يفسّر سر حضوره المبكر، وسر رحيله المتأخر. هذه العلاقة التاريخية المتينة معروفة وموثقة ولاتحتاج إلى عناء شرح، أو الاسهاب في تفاصيل التفاسير.

يقولوا البعض مؤكداً إن الصيف ابن طرابلس. في حين أن البعض الآخر يقولون إن طرابلس ابنة الصيف. وفي الحقيقة، لافرق بين القولين.  وما على المرء سوى اختيار الوصف الذي تستجيب له سريرته، وتهفو له روحه، ويراه مناسباً، وملائما لمشاعره وأحاسيسه، وكذلك لعلاقته بالمدينة وبالصيف. أنا شخصياً أعشق الاثنين، وأدينُ لهما بالحب والولاء. وأفضّل أن أمنح الصيف، من بين الفصول، لقب الملك، وأن أسبغ على طرابلس، من بين كل المدن، لقب الملكة. والبحرعرشهما التليد، وجبل نفوسه الأشم حارسهما الفريد، ومستودع سرهما الوحيد.

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …