زايد…ناقص
البيوتُ عناوين. العناوينُ، بطبيعتها، لا تقتصر على البيوت. البيوتُ موزعة في أنحاء ومناطق عديدة، معروفة وغير معروفة. تقود إليها طرقٌ كثيرة. بعضها بعلامات معروفة ومتعارف عليها، وأخرى من دونها، تجعل الوصول إليها شاقاً.
حين يكون العنوانُ المقصودُ في في جهة ما في طرابلس، لبيت يقع في منطقة من مناطقها الجديدة المزدحمة سُكانياً، فإن الوصول إليه لن يكون سهلاً، آخذين في الاعتبار أن العناوين، في أغلب مناطق المدينة مازالت في أغلبها تستند على ” نعتة العربي بشاربه.”
العنوانُ الذي قصدناه مع مضيفنا، تلك الليلة، تموضع في جهة ، كانت منذ سنوات قليلة مضت، مزارع وسواني، وأضحت اليوم من أكثر مناطق طرابلس ازدحاماً بالسكان.
موكبنا القاصدُ تلك الجهة من طرابلس، تكوّن من عدة أشخاص، يستقلون عدة سيارات، قاصدين حضور “فضانية” بهدف “جمع رأسين بالحلال.” صديقي صاحب الدعوة واللمة يعمل طبيباً. في سيارته جلست في المقعد الأمامي إلى جانبه.
في المقعد الخلفي جلس ثلاثة أشخاص آخرون، من أصدقائه، لم ألتقهم من قبل. تعارفنا وقتياً. قاد صديقي الطبيب فريقنا /الموكب، كونه أباً للعريس، وصاحب الدعوة، والوحيد منّا الذي يعرف عنوان البيت المقصود. الهواتف الخليوية، بينه وبين أعضاء الفريق في السيارات الأخرى، كانت وسيلة التواصل بينهم، ومشغولة طوال وقت الرحلة. الحرص على وصول الموكب في وقت واحد كان ضرورياً ومهماً.
بدا لي أن صديقي الطبيب يمتلك خبرة كافية لقيادة الموكب بسلام وبسرعة إلى مقصدنا. وكونه طبيباً معروفاً، كان أغلب المدعوين ينتمون إلى نفس المهنة، وهنا مربط الفرس.
لاحظت بسرعة أن صديقي الطبيب- قائد الموكب، لدى اتصاله بسائقي السيارات الأخرى، يحدد في العلامات لهم على الطريق ،بما يصادفه من صيدليات.
ومن حين لحين، حين يضطر للتوقف بسبب انقطاع التواصل، يتوقف لدى أول صيدلية تقابله، إلى حين عودة التواصل مع بقية السائقين فيبلغهم باحداثيات موقع الصيدلية وباسمها وما يحيط بها من دكاكين ليلتحقوا به، وبمجرد وصولهم يواصل قائدنا الرحلة من جديد.
كوني ليبياً، ومثل أبناء جلدتي، راضع القصقصة في حليب أمي، لفت انتباهي المشهد الحي، الذي كنت داخله مثل كومبارس بلا دور. واتضح لي أن العلاقة المهنية للاطباء بالصيدليات لا تقتصر على العامل المشترك بينهم: الأدوية، بل تتجاوز ذلك بكثير.
ذلك ان صديقي الطبيب قائد الموكب كان بإمكانه الاستدلال بعلامات أخرى في الطريق إلى العنوان المقصود، مثل المولات التجارية الكبيرة، وهي علامات طريق واضحة ومعروفة، لكنه تلقائياً جعل من الصيدليات الدليل والعلامة. مررنا بصيدليات عديدة، وهو أمر آخر مثير للاهتمام جعلني افكر بالسبب وراء كثرة عددها، بشكل مبالغ فيه.
هل نحن شعب مريض في حاجة إلى مليون صيدلية، أم أننا شعب موسوس صحّياً؟
افصحت لصديقي الطبيب ومن معنا في السيارة عن رأيي في العلاقة بينهم كأطباء وبين الصيدليات من علاقة تجاوزت الدواء، وطالت علامات الطرق. وأضفت موضحاً أنه لو كان صديقي وزملاؤه كُتّاباً ومؤلفين لاختاروا المكتبات علامات في الطريق للوصول إلى العنوان المقصود. ضحكوا جميعاً، إلا أن أحدهم انتبه إلى حقيقة الواقع الليبي في علاقته بالمكتبات ورد سريعاً: “لو لقيت مكتبات!!”
الرجل كان صادقاً. إذ لا وجود لمكتبات حكومية أو أهلية في مدينة يسكنها 3 ملايين نسمة، لا يؤرقهم وجود مليون صيدلية، وعدم وجود مكتبة واحدة!
جمعة بوكليب