نقــــوش
بقلم / منصور ابوشناف
من الرحم الطرابلسي يخرج الفتى «يوسف الشريف» متدثرا بمعطف الشمال قاصدا اقاصي الجنوب ، في رحلة عكس رحلات الليبيّين في ذلك الوقت ، حيث كان «هجيج « تخوم الصحراء واقاصي الجنوب يتدفقون بأتجاه الشمال طلبا للعيش وضمانا للمستقبل ، فالمستقبل الليبي عندها كان يتشكل في الشمال ومدنه . ربما ليكون ذلك الفتى من القلائل جدا الذين مضوا في تلك الرحلة والتجربة ، تجربة أن تشد الرحال باتجاه الجنوب زمن الهجرة باتجاه الشمال .
فتى طرابلس الغض الذي لم يعرف من الارض والناس الا طرابلس واهلها ولم يخبر من الحياة الا حياة طرابلس المدينة التي كانت ورغم كل الفقر والأمية قد شرعت تحلم و تعد لمستقبل افضل ليس لها ولأهلها فقط بل للبلاد كلها .
كانت طرابلس مابعد الحرب تنفض عن كيانها اثار تلك الحرب وقد اخرجت من انقاض الحرب بعض ما يمكن استخدامه لمواصلة الحياة .
من تلك الانقاض ومخلفاتها كان بطلان من ابطال هذه السيرة وهذا الكتاب وهما المعطف والشاحنة اللذان رافقا بطل هذه السيرة الرئيسي اعني فتى طرابلس الماضي باتجاه الجنوب .
كانت المعاطف احد مكاسب الفقراء الليبيّن الظاهرة من الحرب العالمية الثانية ربما كان الغالب منها هو المعطف العسكري الانجليزي الذي دثر الكثير من الليبيّن لسنوات طويلة ، بالتحديد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى وصول اولى دفعات مبيعات النفط للبلاد .
المعطف الذي كان العدة التي اعدها الاب لابنه ليواجه بها زمهرير ليل الصحراء والذي كان بالتاكيد ثقيلا كالمسؤولية التي القيت على كاهل الفتى الصغير ، كان انجليزيا خرج من الحرب بالتأكيد كما خرجت طرابلس وليبيا ليواصل على ظهر مقاتل اخر في معركة اخرى
المعطف ايضا سيرسم مصير ذاك الفتى ومستقبله ومشروعه الاهم ، اعني كتابة القصة القصيرة «خارجا كغيره من كتابها في العالم من معطف جوجول» كما تقول تواريخ القصة القصيرة العالمية « ناسجا بعد تجربة طويلة وشاقة معطفه القصصي الخاص الذي سيمنح ليبيا وطرابلس مع معاطف ليبية اخرى نسيجها القصصي الخاص .
الشاحنة وكما المعطف كانت احد مكاسب الليبيّن المهمة من الحرب، فقد شرع الليبيّون في تجميع واصلاح خردة الحرب العالمية الثانية من الشاحنات الكبيرة والصعيرة وتحولت طرابلس إلى ورشة لصيانتها واصلاح اعطالها لينطلقوا بها من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب وليحولوها من الآت دمار وحرب إلى وسائل مواصلات وتواصل ولتكون احد ابطال هذه السيرة وهذا الكتاب ، فهي لم تحمل البطل الى اقصى الجنوب في رحلة شاقة بل ظلت تصله بطرابلس وبأهم عناصر الحياة الحديثة من طعام واخبار وجرائد ومجلات ايضا .
ان الشاحنة التي ربما حملت الاسلحة والذخائر للقتل حتى اقصى الجنوب يوما ما من ايام الحرب ، تتحول في هذه السيرة الى حاملة للمعلم والمعرفة والكتاب والطعام والكساء والدواء وحتى المذياع ، مساهمة في تأسيس كيان جديد ووطن اكثر انسانية ومطامح .