منصة الصباح

انعكاس

انعكاس

للكاتب: محمد الهادي الجزيري

نحلّ ضيوفا اليوم على المبدعة شريفة التوبي ..التي لها باع وذراع في مجال السرد العربي من قصّة ورواية ومقال وأدب الرسائل.. ونشرت نصوص أدبية متنوعة في عدد من الملاحق الثقافية، كما أصدرت عناوين لمجموعات قصصية وروايات ..، نذكر منها :
عين السواد، انعكاس، سجين الزرقة ، حازة الوادي ، سراة الجبل، ولها اهتمام بالطفولة وبأدب الطفل، فقد قامت بتأليف سلسلة “حقي طفولتي” الصادرة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بسلطنة عُمان، إضافة إلى تتويجها بجائزة الإبداع الثقافي لعام 2021 في سلطنة عمان عن روايتها “سجين الزرقة” ..، وقد أكرمتنا اليوم بالإطلاع على مجموعتها القصصية بعنوان ” انعكاس ” ..والتي سنبحر فيها بإذن الله ….

في قراءتي لهذه المجموعة شدّتني قصة بعنوان ” نفاس ” لا لجودة النصّ مثلا أو إبداع ما لاحظته فيه دون النصوص الأخرى، ولكنّه متن طريف وصالح لمقارنة علاقة الحماة بصهرها في عُمان وفي بقية العالم العربي، لاحظت أنّ حظ الرجل مع أمّ الزوجة على نفس الدرجة من المطالب والشروط ..مع تعجيزه مثل كلّ النساء، وهذه بيّنة من القصة حين تضع الأمّ شروطها ..ومن يستطيع عنادها فهي الملكة :
” حين أملت شروطها في قيمة المهر واختيار القاعة وطقم الألماس، رغم علمها بمستواه المادي البسيط، وحينما قلت لها أنّه ربّما لا يستطيع توفير كلّ هذه الطلبات ، قالت لي :

ـ إلّي فقير ما يتزوج، وأنت ما أقلّ من بنت خالتك سليمة ”

ثمّة قصص تغمز لك بالعين وترفع الحاجب وتومئ بالصمت ..لتقرأها وتصبح هي فيك ..تصبح جزءا منك ..لتعرف معنى المعرفة ولذّتها وقوّة الكلمة المدروسة والفاعلة، من ضمن هذه القصص متن سرديّ سينمائيّ بعنوان ” سينما “، له سبعة مشاهد ويحكي على ارتباك فتاة دخلت على وجه الخطأ القاعة المجاورة لقاعتها الأصلية لمشاهدة فيلم رفقة شاب ظلّ ينتظرها في القاعة رقم 4، وبعد ستّة مشاهد بديعة التدقيق ..تصف لنا الكاتبة العُمانية شريفة التوبي ..كلّ ما تقع عليه حواسها ..بدءا من حركة المرأة السافرة والرجلين والشبان الأربعة ..وطبعا الشخصية الرئيسة : الفتاة التي أخطأت في المقعد والقاعة ..، لقد نقلت لنا الساردة ما حدث لها وللآخرين في دقائق ..، حقيقة نجحت في تسمية قصتها بالسينما، فقد صوّرت لنا سبعة مشاهد بدقّة متناهية ..، فهي قاصة متميزة وبارعة :

” يرتبك المشاهد مع ارتباك الفتاة وهي تبحث عن فردة حذائها المفقودة، تدخل يدها تحت المقعد المقابل فتتناول فردة الحذاء، تنزل عبر درجات السلم المغطاة بسُجاد أزرق، تهرول إلى القاعة الأخرى والمشاهد يهرول معها، وشاب عشريني يجلس أقصى اليسار بالصفّ الأخير في القاعة رقم 4 بالسينما، يهزّ قدميه تحت المقعد وعيناه على الباب المغلق في القاعة المظلمة ”

نصل إلى قصة ” انعكاس ” الذي سُميت به المجموعة، فهي قصة تنمّ على الكثير من المهارة والخبرة في فنّ الكتابة السردية، لسائل أن يسأل: انعكاس ماذا ولماذا؟، فنقصّ عليه محتوى النصّ لكي يكون على بينة من أمره، القصة عن سفر بالقطار بين مدينتي كارديف ولندن..وخلال متابعة الساردة لمشاهد الحقول ..عبر نافذة القطار ..يلفتها وجه امرأة يظهر في انعكاس خاشع من خلال زجاج النافذة ..، وتبقى شريفة التوبي تتبع سكنات وحركات ذلك الوجه ..، وتصف لنا المرأة ..تصف ساعتها وهاتفها ..وتكشف لنا ما كتبته من شعر ..بل تجرأ على ترديده ..، خلاصة الحكاية ..كانت طيلة سفر القطار تلاحظ انعكاس وجهها ..ولم تبح بالأمر إلا في خاتمة السفر والنص :

” يقف القطار تماما، أقف لأتناول حقيبتي من خزينة الحقائب العلوية، ألتفت إليها، أبحث عن وجهها المسكون بحنين لا يخبر الناظر عنه سوى في اللحظة الأخيرة، وإذا به انعكاس لوجه أعرفه تماما ..إنّه وجهي ”

في قصة ” فراشة ” تمجيد للحياة وسكون للموت، فما هو سوى ركن من أركان الحياة، وفي قصة ” غجرية ” ثمة حلم بالخروج لي قوانين القبيلة والتحرّر من السجن والسجان ، فأحسن شيء يكون اختتام هذه الجولة بين نصوص شريفة التوبي ..بهذا المقطع الطافح بهبوب ريح الحرية..المؤمن بالعناد والنضال من أجل الانعتاق المسؤول ..، لكأنّي أسمع همهمات النساء في صوتها ..:

” لا أحد يلحق بي، لا شيء يقيّد يدي، ولا حارس يحرس خطوتي القادمة ”

 

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …