منصة الصباح

تقول تحكي على ليبيا

تقول تحكي على ليبيا

بقلم: د . المهدي الخماس

يحكى في قديم الزمان وسالف العصر والأوان أن التعليم الطبي في بلد ما كان غير ذي جدوى. كان الطبيب ليس متفرغا ليكون أخصائيا ممارسا وأستاذ في كلية الطب في نفس الوقت. فقد كان يصلح من وضعه المادي بتعاونه مع كلية الطب بالإضافة الى عمله كطبيب بالمستشفى. ومن له موهبة تجارية افتتح إحدى الفيلات ككلية طب خاصة.
وبهذا إنتشر عدد كليات الطب في أنحاء البلاد. يعني كلية طب في كل زنقة والأساتذة كل بشنطته ذاهبا من كلية الى أخرى لإلقاء محاضرة ذات السعر المعين. لاتوجد معايير جودة ولاتوجد معايير مؤسساتية. الفيلا ممكن تكون كلية طب وبدون أي معامل تذكر وبدون بحوث أو نشر أو تطور علمي. ولكن الأمر شد انتباه أهل الثقة والغيورين على الوطن. وكذلك شدت هذه الفوضى وسوء التعليم الطبي إنتباه الجمعية الطبية الأمريكية. وفي سنة 1904 كونت مجلس التعليم الطبي لتقييم تركيبة وهيكلة التعليم الطبي في أمريكا. وفي سنة 1909 كلف مؤسسة كارناجي الأستاذ ابراهام فليكسنر ليشكل فريق ويقوم بتقييم كليات الطب في أمريكا وكندا.
عندما كلف الأستاذ فليكسنر بالمهمة كان يوجد قرابة 155 كلية طب. قام هو وفريقه بزيارة كل كلية على حدة. وزار المباني والمعامل واجتمع مع أعضاء هيئة التدريس والطلبة والموظفين. وأستعمل كل الحيل ليعرف الحقيقة. ومن بين قصصه الطريفة أنه خلال زيارته لإحدي الكليات كان عميد الكلية يرافقه أينما يذهب وكان معامل العلوم الأساسية أغلبها مغلقا والعذر أن المفتاح مع المباشر والمباشر يختفي ولايجدون أثرا له. وعليه قرر فليكسنر أن يزور في أوقات غريبة متخفيا وقابل المباشر المسؤول وأعطاه نقودا في جيبة الخاص ليفتح له المعامل. والمفاجأة أن المعامل تحمل اللافتة فقط وليس بها أي معامل. كان الكذب وعدم التأهيل والمصلحة الخاصة والتجارة هو السلوك المنشر في التعليم الطبي.
وفي سنة 1910 نشر تقريره الأشهر من نار على علم. فضح فيه التعليم الطبي في أمريكا. ولازال يؤرخ به حتى اليوم. التقرير الذي قلب موازين التعليم الطبي رأسا على عقب. في التقرير ربط أهمية وجود مستشفى بكل كلية طب وبرسالة التعليم والبحث الطبي والخدمات الطبية لكل كلية. وأسس أن يكون مكان الأستاذ السريري هو المستشفى والطلبة يأتون إليه ليعلمهم. صنف الكليات الموجودة الى الى ثلاث مراتب (أ) وهي الكليات الجيدة ، (ب) الكليات التي بها أمل وعليها ملاحظات ليتم زيارتها دوريا وتقييم الإصلاحات والتطور بها ، والأخيرة (ج) وهي الكليات التي لاتمتلك مقومات النجاج وأوصي بإغلاقها. وقد تم إغلاق أكثر من سبعين كلية طب بامريكا خلال العشر سنوات الأولى من تقريره.
سعة المكان المخصص للعمود إنتهت ولكن الإعتذار من رئيس التحرير لأهمية الموضوع. اليوم وفي سنة 2023 هذا مانناقش في ليبيا. يعني نناقش مسألة قد حلت أكثر من مائة سنة قبلنا واليوم لدينا 18 كلية طب والجميع يشتكي من سوء المعدات ونقص أعضاء هيئة التدريس وسوء المعامل وعدم التطوير وعدم الحاجة الى هذا العدد الهائل المنقوص نوعية المخرجات. لعلنا نجد من يكلف فليكسنر الليبي. اترك الإستنتاج للقارئ ولنا لقاء آخر.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …