بقلم /علي مرعي
المتابع للوضع العربي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا ، سيخرج بنتيجة مفادها أن الوطن العربي كله دون استثناء أصبح عرضة للتدخلات الخارجية ، سواء في الدول التي تشتعل فيها الحروب أو تلك المستقرة .
إن الحلول التي يطرحها الخارج، بالتأكيد لن تكون لصالح الشعوب العربية بقدر ما تمثل مصالح تلك الدول التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في توتر الأوضاع حتى وصلت في بعض الدول العربية إلى الاقتتال الداخلي .
ويبدو أن العرب قد سلموا أمرهم للغير سياسيا واقتصاديا وعسكريا الأمر الذي فجر صراعات داخلية بين مؤيد ورافض للتدخل الأجنبي وأحدث أزمات وانزعاجات أثرت بشكل مباشر على الهوية والانتماء ، فبدل إدارة الأزمات من قبل النظام العربي الرسمي لما يجري من أحداث، نجد أن إحداث المشاكل وتصعيدها تدار من الخارج وأصبح الاستثناء في العالم العربي هو القاعدة والعكس صحيح.
لقد استفحلت الأزمات واستفحلت معها الحلول بحيث لم يعد هناك سياسة واضحة المعالم للاتفاق على آلية عربية موحدة للنظر في كل المشاكل التي تعاني منها المنطقة، الأمر الذي مهد الطريق للآخرين للدخول بقوة لرسم خارطة طريق تعتمد أساسا على تأجيج الصراعات وخلق المشاكل والإطاحة بحكومات والإتيان بحكومات أخرى موالية .
وكنتيجة حتمية للفراغ السياسي الذي يعيشه الوطن العربي كان لزاما على الأطراف الخارجية تعبئة هذا الفراغ الحاصل دون النظر إلى تطلعات الشعوب التي وحدها تدفع الثمن في نهاية المطاف .
إن الإرادة العربية أصبحت أضعف مما كانت عليه في السابق، وبالتالي فإن هذا الضعف قد أوجد حالة من عدم الاستقرار سياسيا وعسكريا مما دفع ببعض الدول العربية إلى تحالفات خارجية بحجة درء الخطر عنها كما هو حاصل بالفعل في منطقة الخليج والاستنجاد بقوى خارجية بحجة الدفاع عنها من أخطار بعض الدول في الإقليم ، ناهيك عن الإذعان الكامل لهذه الدول ووضع سيادتها واستقلالها بيد قوى خارجية .
إن حالة الضعف التي أصبحت تلازم الأنظمة العربية أدت إلى حالة من الانقسام السياسي بين مؤيد ورافض للسياسات المطروحة من الخارج وأصبح العرب منقسمين بين تيارين الأول «ممانع» والثاني «مطبع» وكل يحاول الدفاع عن موقفه إزاء ما تشهده المنطقة من تطورات خطيرة ، وهذا الوضع من شأنه أن يؤدي بالوطن العربي إلى هاوية حقيقية .
مما لا شك فيه أن الحالة المتشرذمة التي يعيشها العرب في هذه الظروف قد أعطت الذرائع لكل الدول في الإقليم أو خارجه لفرض سياساتها وأجنداتها بالقوة أحيانا وبالإبتزاز أحيانا أخرى، وهذا يدفعنا إلى التساؤل بشيء من المنطق والموضوعية حول ما إذا كانت بعض الدول العربية وبخاصة الخليجية قد تنازلت عن سيادتها للآخرين مقابل حمايتها وتأمين استمرارها في السلطة ؟
إن حالة التخبط والتوهان التي تشهدها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ليس له إلا تفسيرا واحدا وهو أن الإرادة العربية أصبحت مختزلة من الآخرين وهي غير قادرة على القيام بأي خطوات عملية يمكن أن تساهم بحلحلة بعض المشاكل خصوصا في مسألة العلاقات العربية – العربية التي تشهد فتورا واضحا بسبب عدم جدية النظام العربي الرسمي في الخروج من بوتقة الارتهان الخارجي .
وحقيقة الأمر أن الانتفاضات الشعبية العربية التي خرجت في أكثر من عاصمة عربية والتي كانت تهدف إلى التغيير وإرجاع البوصلة إلى وجهتها الصحيحة نراها اليوم قد أصيبت بانتكاسة كبيرة خصوصا إذا ما علمنا أن بعض هذه الانتفاضات قد تم استغلالها وتسييرها من الخارج بهدف زيادة الخلافات وإحداث المزيد من الفجوات بين الشارع العربي والحكومات .
وبنظرة فاحصة إلى الوضع العربي الراهن سنلاحظ أن هناك سياسات مفتعلة وممنهجة لعدم إحداث أي تقارب بين الدول العربية بغية الإبقاء على التوترات والمشاكل، وهذا في حقيقته يعكس الرغبة الصهيونية التي تعمل بوتيرة متسارعة من خلف الستار على توتير العلاقات بين الدول العربية للحيلولة دون أن يكون هناك أي استقلالية في اتخاذ أي قرار.
للأسف الشديد أن الإرادة العربية باتت مسلوبة وأصبحت رهينة الإرادات الخارجية وهو ما يشكل تهديدا صارخا للكيان العربي وهويته، وبالتالي فإن الحاجة أصبحت ملحة اليوم لدق ناقوس الخطر وإعادة ترتيب البيت العربي وفق آليات جديدة تواكب المتغيرات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة علها تساهم في مواجهة بعض الأخطار والتهديدات .