منصة الصباح

لبدة الكبرى عشقها الإيطاليون ودافع عنها البريطانيون وأهملها الليبيون !

تراث ..

كتب / فرج غيث

تُعرف مدينة لبدة الكبرى Leptis Magna بكونها أحد أفضل المدن ذات الطابع الروماني خارج إيطاليا. وعلى عكس الآثار القديمة، فمعالمها الباقية إلى يومنا هذا تعطي فكرة واضحة عن المدن الرومانية في ذلك الوقت، تعد أكبر مدينة أثرية رومانية متكاملة في العالم على شاطئ البحر، فهي مدينة عظيمة ومن أهم مُدنِ الشمال الإفريقي الكبرى القديمة، أسسها في وقتٍ مبكر كنعانيين صور وصيدا وكان ذلك في عام 1100 ق.م، واستقرَّ فيها بوقتٍ لاحقٍ القرطاجيون، تقعُ على الساحلِ المتوسطي عندَ مصبِّ وادي كنيبس (كعام) حيث يكون مرفأ طبيعيا جذاب، ويقع على بعد 3 كم شرقي مدينة الخمس الأن، وتبعد المدينة بــ 120 كم شرق مدينة طرابلس العاصمة الليبية، اُعتبرت سوقٌ تجاريٌ للمنتجاتِ الزراعيةِ لوقوعها على المنطقةِ الساحليةِ الخَصبةِ، وكانت بمثابةِ ميناءً طبيعياً عند مَصبِّ وادي كنيبس (كعام) الذي سهّلَ نمو المدينةِ لإشرافِها على البحر الأبيض المتوسط، كما أنها مركزُ التِّجارةِ عبرَ الصحراء.

اطلق عليه اسم لبقي وعرفت أيضا بلبتيس ماغنا (لبقي الكبرى) تمييزا عن لبقي التونسية (لمتا)، ويفهم من النصوص الكلاسيكية المتضاربة حول هوية الكنعانيين المؤسسين لها أن المدينة أسست في بادئ الأمر من طرف الصيدونيون، وفي فترة لاحقة لحق بهم مستعمرون من صور الكنعانية.

عشقها الأركيولوجيين الايطاليين ووصفوها بــ روما الصغيرة، خلال الحرب العالمية الثانية سعى سلاحُ الجو الملكي البريطاني إلى نصبِ محطةِ رادار هناك تابعة لوحدة من الجيش البريطاني، لكن تدخل الأركيولوجيين ومؤرخي الفن البريطاني والكولونيل Mortimer Wheeler والجنرال John ساهموا في حفظ هذا الموقع الاثري وابعاده عن ساحات المعارك.

عملت مصلحةُ الآثارِ الليبية وعلماءُ الآثارِ الإيطاليين في أوائل القرن العشرين بدراسةٍ للحفاظِ على موقعِ لبدة الكبرى، أمَا الآن العديدُ من التُحفِ الفنية قد حُفظت في متحفِ لبدة أو في السرايا الحمراء متحف الآثار والتاريخ في طرابلس، وتضمنَ العملُ تنقيبَ الفيلات الرومانية في ضواحي لبدة في عام 1990م، فكشفت الحفرياتُ داخل المدينة منزلاً رومانياً قديماً مع نظامَ مياهٍ سليمةٍ بصهاريج متينةٍ تحتَ الأرضِ.

خضعت لبدة لـ مينيسا حاكم مملكة نوميدا في عام 202 ق.م بختام الحرب البونية الثانية، التي انشقت عن البونية لتصبح حليفة روما خلال القرن الثاني قبل الميلاد، ومع ذلك احتفظت مدينة لبدة بالتقاليد والثقافة البونية بما في فيها من دستور البلديات واللغة البونية. ومن أعمالِ الحُكام فيها فقد ساوى الإمبراطور الروماني تراجان لبدةَ بكولونيا (98-117م) اجتماعياً مع حقوق المواطنة الكاملة.

أمّا الامبراطور سبتيميوس سويروس Septimius Sévèrus أبن مدينة لبدة الكبرى، الإمبراطور الروماني الحادي والعشرون، الذي أمتد حكم اسرته الليبية للإمبراطورية الرومانية من عام 193 م إلى عام 235 م عندما ورثه أبنه كاراكلا في الحكم، ازدهرت في عهده وأعطاها الحريةَ القانونيةَ من الضرائبِ على العقارات والأراضي وأصبحَ راعياً كبيراً للمدينة، فبدأَ برنامجُ بناءِ طموحِه تحتَ إدارتِه، عمِل على تحسينِ الميناء الذي تمَّ توسيعه مُسبقا في القرن الأول.

يميزُ لبدة عن غيرها أنَّها تحتفظُ بالهياكل البونية المكتشفة بالقرب من المسرح والفورم القديم حوالي 56 م، وانتشرت المباني على طولِ الساحلِ الغربي إلى الجنوب، وتشملُ مباني القرن الثاني السيرك و هو ميدانٌ لسباقِ الخيلِ، والحمامات التي حُفظت جيداً تحتَ حُكمِ هادريان (117-138).

الشارع المعمد: هو من أكبر النُصب الأثرية، أُنشِئ في عهدِ سبتيميوس سويروس Septimius Sévèrus وربطَ مركزَ المدينةِ بالميناء فطوله حوالي 410م، والطريق الذي ينتهي بساحة دائرية فقد صُممَ بطريقةٍ مُعقدةٍ تطلُّ على بركةِ ماءٍ على شكلِ زهرة Nymphaeum.

تمتلك لبدة طريقين رئيسيين تتقاطعُ مع أربعة طرقٍ في تترابليون، ويتوسطها قوسُ النصرٍ يصورُ عظمةَ الامبراطور سبتيميوس سويروس وعائلته السويرية في إفريز، ويوجد الكثير من الهياكل في تلك الفترة منها 12 قناة مائية على طول 19 كم، كما نجدُ مجموعةً من المباني المتطورةِ على يسارِ الوادي، وحمامات صيدٍ ملونةٍ ومرسومةٍ بلوحاتِ رحلاتِ الصيّد، أهمُها اللوحةُ الضخمةُ التي تمثلُ مطاردةَ الفهدِ، وأسماءٌ مكتوبةُ على الجدارِ تمثلُ أمهرَ الصيادين لتكريمهم.

البازيليكا تقعُ على الجانبِ الغربي من الشارع المعمد، وهي أكبرُ المباني المشيّدة في لبدة فقد أُنشئت عام 216 بعد وفاة الامبراطور سبتيميوس سويروس بخمس سنوات، بطول 160م وعرض 69 م، مكونة من ثلاثة أجنحة وكلُّ قاعةٍ مُحاطةٍ بأعمدةٍ منحوتةٍ بنحتٍ نافرٍ لتصوّر حياةَ ديونيزوس والاثني عشر جندياً من جنود هرقل.

وبجوارِ البازيليكا يقعُ الفورم الجديدُ المرصوف بالرخام والجرانيت، ومن العناصرِ المهمةِ في الفورم أنَّه كان معبدَ تكريمِ عائلةِ الامبراطور سبتيميوس سويروسالإمبراطورية.

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …