بقلم / أحمد الرحال
نصحنــي صديقــي ألا أعتــذر لشــخص شــعرت أننــي أخطــأت فــي حقــه، مبــررا ذلــك بكــون الاعتــذار فــي ليبيــا دليــل علــى الضعــف والشــعور بالذنــب وهــو مــا لا يليــق أن يضــع ليبــي فيه نفســه.
وأذكــر مــرة أننــي قدمــت اعتــذاري لشــخص أهاننــي مــرة، لا لأننــي أقصــد براءتــه ممــا فعــل،بــل اعتــذرت لأنــه أوصلنــي وإيــاه إلــى وضــع ســيئ مــا كان ينبغــي أن نصــل إليــه حتــى أهاننــي. لكننــي فوجئــت بــه يقــول لــي إنــه قبــل اعتــذاري ثــم أعــرض عنــي ممعنــا فــي تخطئــي وهــو يعلــم يقينــا أنــه أهاننــي بــلا وجــه حــق.
قلــت لذلــك الشــخص إن اعتــذاري لــم يكــن بمعنــى أننــي المخطــئ، وحاولــت أن أشــرح لــه، لكنــه عانــد وأصــر علــى موقفــه وكأنــه كســب واحــدة ضــدي كمــا قــال لصديــق مشــترك، وبــرر إهانتــه لــي بكونــه أحــس أننــي كنــت أتكلــم معــه وانا متعجــرف متكبــر.
مــا ذكــرت هنــا يعتبــر جــزءا يســيرا ممــا وقــع لــي أو وقــع أمامــي لغيــري. هــذا الأمــر أرقنــي لفتــرة زمنيــة ليســت بالقصيــرة، فوجــدت نفســي طيلــة الفتــرة أراقــب حولــي عســى أن أســمع كلمــة اعتــذار ترفــع مقــام صاحبهــا أمــام مــن قــد يحــاول الاعتــذار إليــه.
قــررت بينــي وبيــن نفســي أن أســمي الحالــة بالعنــاد المتطــرف الــذي قــد يصــل بصاحبــه إلــى تدميــر نفســه فــي ســبيل ألا يقــول كلمــة اعتــذار أو يعبــر عــن أســفه لأي كان.
يبــدو لــي أن هــذا العنــاد هــو الــذي دفــع بمســلحين يســمون أنفســهم جيشــا ليهجمــوا بالأســلحة الثقيلــة علــى عاصمــة بلادهــم لأنهــم حكمــوا مســبقا بكــون مــن فــي العاصمــة طرابلــس لا يحبونهــم بــل يبغضونهــم إلــى درجــة حرمانهــم مــن حقوقهــم فــي البــلاد ومقدراتهــا.
العنــاد ذهــب بهــؤلاء إلــى أبعــد مــن ذلــك. فقــد انتهجــوا منهــج التبريــر غيــر المنطقــي، فحســب زعمهــم هــم يريــدون إنقــاذ العاصمــة مــن مجرميــن وارهابييــن يســيطرون علــى النــاس وعلــى الحكومة ويســتأثرون بمقــدرات البلــد وحدهــم، وكأن المعتديــن علــى طرابلــس جيــش يحــارب عــدوا هجــم علــى البــلاد مــن خارجهــا.
العنــاد المتطــرف هــذا لا يمكــن أن يكــون وليــد اللحظــة، بــل مــن المؤكــد أنــه جــاء بعــد تراكــم تاريخــي عميــق وطويــل.
«نحــن شــعب صعيــب عنــاده ».. مــش تونــس والا قرينــادة هتــاف لقنــه القذافــي للشــعب علــى مــدى أربعــة عقــود مــن الزمــن. هــذا الهتــاف فيــه تعبيــر عــن الإصــرار علــى العنــاد، وفيــه أيضــا اســتهزاء بشــعوب أخــرى وكأنهــا شــعوب تعيــش حالــة مــن البــؤس بســبب عــدم العنــاد. بينمــا العنــاد القذافــي هــو مــا جعلــه وجعلنــا مــن ورائــه «ناكلــوا كفــوف مــن أمريــكا» علــى حــد تعبيــر الحبيــب بورقيبــة وهــو ينصــح القذافــي ذات مــرة فــي تونــس.
«الكفــوف تــوا ياســي لحبيــب مــا ناكلــوش فيهــا مــن أمريــكا وحدهــا» بــل مــن دول فــي المنطقــة لــم تكــن شــيئا مذكــورا ثــم عــلا ذكرهــا وهــي تعمــل لكــي يعلــو شــأنها أكثــر بتدخلهــا فــي شــؤوننا وبإرســال قاذفاتهــا وطائراتهــا العســكرية لكــي تحــرر طرابلــس مــن أهلهــا.
فمــن يحررنــا مــن عنادنــا لكــي نتحــرر مــن المهاجميــن الضاليــن ولكــي نعيــش مثلمــا يعيــش العالــم مــن حولنــا؟