نافذة
بقلم / إيناس اليوسف
ما الذي استفدناه من الحرب غير الدمار والموت ، وانتشار الكراهية والحقد، وإشاعة الفوضى، التي نتج عنها تفكك النسيج الاجتماعي وتمزيق وحدتنا الوطنية؟!.
ماذا جنينا من الحرب التي قتلت أبناءنا ودمرت بلادنا، وأصبح الخراب يجتاح مناطقنا ومدننا وأملاكنا العامة والخاصة، وبيوتنا الآمنة، وشوارعنا التي مشينا فيها جميعا جنبا إلي جنب يدا واحدة قبل أن تجد الفتنه مكانها بيننا؟!.
إن الحرب أثرت سلبا علي حياتنا وعلى بيوتنا وعلاقاتنا بأهلنا وأقاربنا وأصدقائنا، لقد دمرت روابطنا الإنسانية والاجتماعية.
الحرب دمرت النسيج الاجتماعي في مجتمعنا المسالم المحافظ المترابط، وزرعت الفتنة والفرقة بين أبناء البلد الواحد، وبين المناطق والقبائل، خلقت حالة من العنصرية المقيتة وبثت روح الانتقام والثأر .
التباهي بالأصل والقبيلة والمدينة سبب كاف للتفرقة بين الناس، كم كنا قريبين من بعضنا البعض؟! كم كنا موحدين تحت راية واحدة، وهتاف واحد: (لا شرقية ولا غربية ليبيا وحدة وطنية).
ماذا حدث لنا الآن؟ وإلى متى يستمر هذا التفكك وهذا الدمار الذي فتك بحياتنا وقضى علي أمننا واستقرارنا؟.
كم جريمة ارتكبت بسبب الاختلاف في الرأي وفي التوجهات السياسية ؟
وماذا عن انتشار الرشوة والفساد بكل أشكاله، وتفشي تعاطي المخدرات والاتجار بها
، مما تسبب في إفساد شريحة كبيرة من شبابنا الذين يقومون الآن بالكثير من الجرائم تحت تأثير تعاطي المخدرات.
ونتيجة هذا التخلخل الذي أصاب بعض الأسر وبسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبعض قنوات الإعلام المؤثرة التي تروج للتحيز للقبيلة والفكر المناطقي والجهوي أصبح هناك حالات طلاق بالجملة، ومع الأسف لا توجد إحصائية لهذه الحالات التي نراها ونسمع عنها بشكل يومي.
استسهال القتل والذبح والخطف والنهب والسرقة، انتشار السلاح، وزيادة أعداد الأيتام والأرامل، ارتفاع أعداد النازحين من المناطق المضطربة كلها نتاج التفكك الاجتماعي والفرز المناطقي والعنصرية والظلم الاجتماعي.
أليست هذه كلها أسباب كافية لأن نشعر جميعا بالخطر ونطالب بدولة واحدة وحكومة واحدة، وقانون يكفل لكل منا حقوقه لحمايته وحماية أسرته؟
لقد انهار مجتمعنا وتصدعت مؤسساته الاجتماعية في ظل انتشار العنف والعداوات والقطيعة بين الأهل والأقارب.
إلي أي الطرق المسدودة نقود ليبيا، وأي نهاية هذه التي تنتظرنا ؟ نحن نقود بلادنا إلى الانهيار، وعندما تفنى الأخلاق تفنى الشعوب ولا تذكر.
لابد أن نتوقف عن إراقة الدماء وأن نعود لأنفسنا ونوطد علاقاتنا ببعضنا وأن نوثق روابطنا الاجتماعية ولا نسمح للحرب أن تسلبنا إنسانيتنا، ويكفي ما سلبته منا من استقرار وراحة وأمان، وعلينا أن نرفع رايات السلام ونتعايش بحب وود ونتسامح ونقبل الآخر مهما اختلفنا معه، لابد أن تكون لبلادنا سيادة حتى لا نسمح بالتدخل الأجنبي في شؤوننا وحياتنا وتكون بلادنا قوية أمام العالم كله .
إن الحروب الأهلية التي قامت في اليابان وفرنسا وأمريكا وروسيا واسبانيا وايرلندا واليونان وغيرها من البلدان بتجاربها المختلفة وما خلفته من دمار وأضرار عبر السنوات التي عاشتها تلك الشعوب والتي يذكرها لنا التاريخ ، كل هذه الحروب انتهت إلي مصالحة في نهاية الطريق ونهضت هذه البلدان من جديد بل أصبحت في مقدمة دول العالم .
لماذا لا نختصر الوقت والإمكانيات ونستفيد من هذه التجارب ونوقف شلال الدم ونحد من تهتك النسيج الاجتماعي ونعمل من اجل استقرار بلادنا ومستقبل أولادنا قبل فوات الأوان.. لابد أن ننهض ونبني دولة المؤسسات والعدالة والقانون، لنترابط حتى تكون بلادنا في مقدمة الدول المتقدمة بديننا وأخلاقنا وترابطنا، لنعود إلي طبيعتنا بدون أحقاد و كراهية ، لنعود لإنسانيتنا وننسى الثأر والغبن، ونعمل جميعا من أجل ليبيا .
ليبيا لا تستحق منا كل هذه القسوة، هذه الأرض الطاهرة التي تربينا عليها جميعا واحتوتنا، من حقها علينا أن نصونها وأن لا نخذلها.