منصة الصباح
أحلام محمد الكميشي

قادش والدور الليبي قبل 3300 سنة

أحلام محمد الكميشي

يعرض متحف آثار إسطنبول نسخة لأول اتفاقية سلام مكتوبة في التاريخ، أُبرمت بين المصريين والحيثيين سنة 1258 ق.م، بعد معركة قادش التي انتهت بخسائر فادحة لكلا الطرفين. كُتبت النسخة الحيثية على ألواح من الفضة والطين، وسجلت النسخة المصرية بالهيروغليفية على جدران المعابد، كما توجد نسخة طبق الأصل في مقر الأمم المتحدة.

تحل ذكرى هذه المعاهدة غدًا، وهي فرصة لتأمل جانب من تاريخنا المغيّب، إذ كان للقبائل الليبية – تمامًا كالآشوريين – دور غير مباشر في نشأتها. فقد كان الآشوريون يشكّلون قوة متنامية خلف ظهر الحيثيين، بينما تؤرق المصريين تهديدات مستمرة من القبائل الليبية التي تتحرك بحرية غرب النيل وفي واحات سيوة وصولًا إلى جبال أطلس. وقد دفعت مخاوف “رمسيس الثاني” من جيرانه الغربيين إلى بناء القلاع والحصون وتشديد الرقابة على الحدود، وإبرام معاهدة قادش للتفرغ لدرء خطرهم.

لا تولد معاهدات السلام بالصدفة بين خصمين فرّقهما الدم؛ إذ لا بد من تهديدٍ كبير يدفع كلا منهما إلى تناسي العداء ومدّ اليد للسلام. وهذه قراءة لمعاهدة قادش ما تزال غائبة إلى حدٍّ كبير. فالأحداث اللاحقة أظهرت أن مخاوف “رمسيس الثاني” كانت في محلها، إذ اضطر خليفته “مرنبتاح” إلى خوض حرب طاحنة ضد جيش منظم قوامه أربعون ألف مقاتل جيّد التسليح، قاده زعيم الليبو “ميري بن ديد” المتحالف مع شعوب البحر المتوسط. وبرغم اختلاف اللغة والثقافة والعرق، برهنت القبائل الليبية القديمة قبل ثلاثة وثلاثين قرنًا على مهارة في ركوب البحر، وقدرة على بناء علاقات دبلوماسية ذات بعد استراتيجي، وتكوين التحالفات ونسج مصالح متبادلة. وتوثق لوحة أنشودة النصر لـ “مرنبتاح” هزيمة “بن ديد”، ومقتل أبنائه الستة أمامه وفراره في جنح الظلام، فيما تكشف الغنائم حجم الثراء الذي كان عليه الحلف، مؤكدةً أن زحفه شرقًا كان لفرض السيطرة بالقوة العسكرية لا بحثًا عن الكلأ والمرعى.

لاحقًا، سقطت الإمبراطورية الحيثية بفعل غارات شعوب البحر بعد أن أضعفتها حروبها مع الآشوريين الذين احتلوا مصر في القرن السابع قبل الميلاد. إن استحضار معاهدة قادش كأقدم رمز للسلام، يستدعي أيضًا استحضار الدور الليبي في صياغة المشهد التاريخي الذي أحاط بها وساهم في إبرامها، ويثبت حضور الليبيين القدماء فعليًا في قلب التاريخ لا على هامشه.

شاهد أيضاً

بايدن ناقش احتمال ارتكاب إسرائيل “تطهيرًا عرقيًا” في غزة وترك الملف لترامب

بايدن ناقش احتمال ارتكاب إسرائيل “تطهيرًا عرقيًا” في غزة وترك الملف لترامب

كشفت صحيفة هاف بوست الأميركية أن الرئيس جو بايدن ناقش في أواخر عام 2024 تقارير …