جمعة بوكليب
يقول أبو العلاء المعري رحمه الله في لُزُومياته:
العينُ من أرقٍ والشخصُ من قلقِ والقلبُ من أملٍ والنفسُ من حَسَدِ.
أبو العلاء المعرّي، رهين المحبسين، أحاط في البيت الشعري أعلاه، بما يتجمع في النفس الانسانية الواحدة من تناقضات. الأمر الذي يذكرنا بغرابة ذواتنا، ويجعلنا نتعجّب من قدرة المرء منّا، على تحمّل ثقل وعناء ما يتعايش في داخله من تناقضات، وصهرها في بوتقة واحدة، بما يشبه معجزة. لكنها قد لا تكون صفة إيجابية دائماً، لما قد تسببه من تداعيات نفسية متعبة، تدفع أحياناً البعض منّا إلى تخوم الجنون.
البيتُ الشعري أعلاه، لم يقابلني من قبل. واستقطب اهتمامي، وأثار فورياً تفكيري، لدى عثوري عليه صدفة. وهو منقولٌ عن الشاعر المصري المرموق د.حسن طِلب. وعثرتُ عليه مؤخراً منشوراً على صفحته على موقع فيسبوك. ورغم أنني من محبي قراءة أشعار رهين المحبسين – المعري، لكنّي لا أحسب نفسي ضمن قائمة قرّائه المثابرين. وما أطلعت عليه من أشعاره لا يعدّ كثيراً، وعلى فترات متقطعة. وبعضه بالنسبة لي كمن يتجرّع قسراً دواءً مُرّاً لابد له منه. وأحسبُ أن تشاؤمه زائدُ الحدّ -رغم عمق حكمته وحِدّة فطنته – قد يكونُ السبب في ذلك، ووقف حائلاً بيني وبين الاستمتاع بقراءة أشعاره، ومد جسور الود معه.
وأعترف أنني بقدر احترامي وتقديري وحبّي للشاعر حسن طِلب، وحرصي على متابعة مغامرته الشعرية المميزة والمبهرة حقاً، إلا أنني، للأسف الشديد، لم ألتقه شخصياً، أوأتجاذب معه أطراف حديث، رغم زياراتي المتعددة للقاهرة، ولم تتح لي الظروف كذلك فرصة التواصل معه حتى عبر البريد، أو عبر وسائل التواصل الاخرى. وبالتأكيد، فإني ألوم نفسي، أولاً وأخيراً، على تهاوني وتقصيري في مد جسور التواصل والود والصداقة، وأتحمّل، على مضض وبموضوعية، مسؤولية ما لحق بي من خسارة، أعتبرها حقاً جسيمة، ولا تعوّض. وعزائي الوحيد أنني ظللت حريصاً دوماً على اقتناء وقراءة ما ينشر من دواوين، أو ما ينشره من قصائد على صفحته المميزة، على موقع فيسبوك.
وأنا، وإن لم أكن شاعراً، كانت، ومازالتْ، علاقتي بالشِعر العربي، والشِعر عموماً، وتياراته المتعددة، متينة جداً. تلك العلاقة نشأت مبكراً، وتوطدت مترسخة بمرور الأعوام. وشغفي بالشِعر لا يماثله شغفٌ بأي أنواع وأجناس الأدب الأخرى. وأنني، خلال تلك الرحلة الطويلة نسبياً، لم أعثر بعد، بين كل من عرفت من شُعراء، على شاعر تمكن بموهبة وجمال آسر، من شق طريق لنفسه، كان بمثابة جسر وصل به بين ضفتي الشعر العربي الكلاسيكي والشعر العربي الحديث. ذلك أن القاريء لأشعار حسن طِلب، سواء أكان من عشاق الشعر التقليدي، أو الحديث بتنوعاته، لا يمكنه الافلات من غواية جمال قصيدته وتميّزها وقوة بنيانها وسحر بيانها. وما حباه الله به من موهبة، مكنته من تشكيل قاموسه اللغوي الخاص، وعوالمه الشِعرية المتميزة، الأمر الذي أهله لتبوء موقعا خاصاً به على خريطة الشعر العربي، ويجعل قراءة أشعاره ضرورة لكل عشاق الشِعر. وأنتهز الفرصة لأعترف، ثانيةً، أنني مدينٌ بالعرفان إلى صديقي المرحوم الشاعر الفذ محمد الفقيه صالح، الذي عرّفني مشكوراً بعوالم حسن طِلب الشعرية، وفتح أمامي أبواباً ما كنت لاجدها وألجها لولاه، رحمه الله وأحسن إليه، كما أحسن هو إليَّ، بأن دلني على سبيل يقود إلى نبع غواية غريب ومميز وفائق العذوبة شِعرياً، ومن منعطف آخر، مختلف عما عرفتُ وألفتُ، وفي مرحلة مبكرة نسبياً من عمري، وكل طموحي آنذاك أن أكتب قصيدة تليق بأحلامي.