فيلم يأخذك إلى عالمك الحقيقي، يضعك في مواجهة مباشرة مع الأفكار والمعتقدات، يستفزك ويجعلك في حيرة، عبر قصص “نسوية” تروي المآسي التي تواجهها البنت، المرأة.. المطلقة، العاملة، الطبيبة، الأقارب، التنوير، الجهل، الأدب وخِذاعه، لا يتبنّى النهايات المتوقعة، أو السرديات المثالية لنهاية قصة حب بالزواج أو تغيير حياة أحدهم للأفضل.
تبدأ القصة مع بطلة الفيلم الدكتورة كاملة راغب علوان، أخصائية الطب النفسي، “انجي المقدم” الدكتورة التي تعيش حياة روتينية تعيش مع والدها الذي يعاني من الزهايمر “لطفي لبيب”.
في عيادتها، تجلس الدكتورة كاملة، وأمامها تجلس “أسماء السيد أحمد”، وتحكي معاناتها، “27 سنة، أنا بكره نفسي، بكره جسمي وبكره شكلي، لا عارفة أحس بأي حاجة، ولا عارفة أبطل تفكير طول الوقت”. تذهب الكاميرا إلى دفتر ملاحظات الدكتورة، التي ترسم عدة دوائر على اسم “أسماء” بقلم الرصاص، في إشارة توضح للمشاهد، أن “أسماء” ستكون ضمن دائرة الدكتورة المقربة.
جرأة “أسماء” لفتت انتباه الدكتورة، منذ الجلسة الأولى لها، وهي تتحدث عن عائلتها وما تعانيه منها لكونها بنت وليست ولد، لكونها تحمل “شرف العائلة” ويجب أن تتزوج وإن كان الزوج أكبر منها بكثير، الزواج لأجل “سُمعة العائلة”. ولكن تنحرف حياة “أسماء” بسبب ضغوط المجتمع والمضايقات التي تواجهها في عملها “بائعة عطور متجولة”.
في الأثناء، تنجح الدكتورة كاملة، في كسب ثقة “أسماء” وبعدها يتجهان إلى المطعم المفضل للدكتورة. تبدأ “أسماء” في الأكل وهي تقول للدكتورة، منذ فترة طويلة لم أتذوق الأكل الجيد، تبتسم الدكتورة، ثم تطرح سؤالا على “أسماء”، “مش عارفة مين بيعالج مين.. كلنا عيّانين”.
شجاعة أم هزيمة؟
يدخل المطعم عن “طريق الصدفة” الروائي يوسف عزالدين صاحب رواية “طريق إجباري” وهو الروائي المفضل للدكتورة، تخرج الدكتورة لتحييه، يتذكرها الروائي قائلاً لها: “الانتحار شجاعة أم هزيمة؟” لتذكيرها بأنه لم ينسى سؤالها في حفل توقيع روايته. ثم تتجه الأحداث إلى مناطق أكثر تعقيدًا.
تتطور العلاقة بين الروائي “المنفتح” والدكتورة إلى غرفة النوم، ثم تنقلب حياة الدكتورة، التي تكتشف فجأة أن الروائي الذي أحبته، مثله مثل بقية الرجال من وجهة نظرها، تخرج من بيتها، لتأتيها الصدمة الأكبر.
على مواقع التواصل والمواقع الإخبارية، خبر انتحار “أسماء السيد أحمد” ينتشر بسرعة، تحت عناوين “حالة انتحار جديدة”. وهذا كله جزء من الصدمة الأكبر، وهي أن “أسماء” قرأت رواية “طريق إجباري” ومن خلال نهاية الرواية التي تنتحر بطلتها، قرّرت تطبيق حالة الانتحار على نفسها.
المجتمع ومحاكم التفتيش:
“فيلم كاملة” لم يعتمد على قضية رئيسية لأبطاله، بل جمع عدة قضايا وملفات مازالت تثير الجدل بين القانون والأعراف الاجتماعية، بين الختان وحرية الإنسان في اختيار حياته الخاصة، وبين سلطة القبيلة في إجبار البنات على الزواج بأي شكل، إلى قضايا التحرش الجنسي.
وفي أولى تصريحاتها حول الفيلم، كشفت الفنانة انجي المقدم في تصريحات صحفية: “فيلم كاملة جعلني أظهر بشكل مختلف، من أكتر المشاهد التي حملت همها هو موت الأب، لأن الأب بالنسبة لكاملة كان كل شيء، وبعدما فقدته أصبحت وحيدة، ومشاعر المشهد تحديدًا ثقيلة”.
قدّمت الفنانة انجي المقدم، دورًا مميزًا سيُضاف إلى تاريخها الفني، بأنه أفضل أدوارها. في آداءها الهاديء الذي يُخفي وجع نظرة المجتمع لها لكونها كبرت في السن ولم تتزوج، وعقلية عائلة والدها، التي تحاول فرض الوصاية عليها لكونها امرأة ويجب أن تتزوج بعد وفاة والدها، إلى أزمات مرضاها في العيادة.
من المؤكد أن القضايا التي تطرق إليها الفيلم، ليست قضايا جديدة، لكن الجديد في الفيلم، أنه نجح في صُنع رؤية متجددة حول المجتمع بكل أطيافه، حتى الروائي يوسف عزالدين “المنفتح” اكتشفت الدكتورة بأنه لا يختلف عن البقية بل وأسوأ منهم، إضافة إلى قضية الإرث ونصيب المرأة وصراعات العائلية حول الإرث الذي كانت الدكتورة كاملة جزءًا منها، ويجب أن تتزوج أحد أبناء عمومتها، كقانون “إجباري” لتنال حب العائلة، أي حب مشروط ماديًا.