د . سليمان الشحومي
مؤسس سوق الأوراق المالية
أعراض مرض كرونا الفتاك تظهر على الاقتصاد الليبي و تعصف بكل امل في استدامة الاستقرار الهش، و المرتبك طوال الفترات السابقة، حكومة الوفاق وجدت نفسها عاجز امام اشتراطات البنك المركزي طرابلس بعدم تنفيذ اي عمليات انفاق قبل اعتماد ترتيبات مالية جديدة وفقا لمقترحات البنك المركزي، فالترتيبات المالية السابقة تتضمن توسعا كبيرا جدا و بأبواب جديدة و انفاق يتجاوز 50 مليار دينار، اما مقترحات البنك المركزي الجديدة فهي تشترط اعداد و اعتماد ترتيبات جديدة ربما يكون الانفاق فيها محدودا مع تعديل الأجور الإضافية و تقليص المصروفات التسييرية، و اجراء تعديل بسياسة الدعم.
الحكومة من جهتها تريد استخدام ايرادات ضريبية بيع العملة لتمويل العجز بالميزانية بسبب نقص الايرادات العامة، ولكن كل ذلك كان قبل ماحصل في يناير 2020 بإيقاف انتاج و تصدير النفط، و هو الامر الذي أربك كل حسابات حكومة الوفاق و البنك المركزي معا.
استمرار إيقاف تصدير النفط قد يصبح شماعة يعلق عليها أسباب وباء كرونا الاقتصادي القادم، و الذي سيكون علاجه حتما امرا صعبا و قد يكلف اكثر مما نتوقع جميعا.
الحكومة تريد الاعتماد بشكل شبه كامل على حصيلة ضريبة مبيعات النقد الأجنبي، و هذا الامر سيتوقف على مدى استعداد البنك المركزي لعرض الدولارات للبيع مثل السابق وهذا في تقدير لن يكون أمراً سهلا فالمركزي سيعمل على تقليص العرض من الدولارات للبيع طالما لم يتم إعادة تصدير النفط، وهنا سيكون الخلاف حادا جدا بين المركزي و حكومة الوفاق. على الطرف الاخر الحكومة المؤقتة و البنك المركزي البيضاء يبحثان للحصول على جزء من الايرادات النفطية للإنفاق على عمليات الحكومة، و هذا الامر من الناحية الاقتصادية و العملية صعب التحقق كونه يترتب عنه اضطراب عنيف بسوق النقد بالدينار من حيث الطباعة والإصدار و اضطراب اكبر ربما في عمليات بيع الدولار حيث تخضع لمعايير و إجراءات مختلفة و قد تكون متضاربة بين الطرفين بنفس البلاد.
البنك المركزي الموحد هو السبيل الأوحد للقضاء على وباء كورونا الاقتصادي الليبي المميت. استمرار الوضع الحالي وسط استمرار توقف منظومة المقاصة و التسوية علي اجزاء من البنوك التجارية العاملة تحت إشراف المركزي التابع للبرلمان ومحدودية قدرة تلك البنوك على الحصول على حصة من مبيعات النقد الأجنبي من البنك المركزي طرابلس بسبب تدني رصيدها لديه و عدم قدرتها على القيام بعمليات الصرف الأجنبي بعدالة مناسبة.
ربما سنرى إجراءات عنيفة على صعيد السياسة المالية و السياسة النقدية في الفترة القادمة اذا استمر توقف تصدير النفط، فعلى الأغلب سيعمل البنك المركزي بطرابلس على إيقاف علاوة الاسرة بالدولار و يفرض على الحكومة ان تعدل نفقاتها و تتبع سياسة تقشفية و يعيد النظر في عمليات بيع الدولار لغرض التجارة و يجعلها اكثر تحت رقابته و الذي على الأغلب سينعكس في نقص المعروض و تبعا لذلك سيتحرك السوق الموازي الى مستويات سابقة لسعر الصرف، انتظاراً لما سيسفر عنه المسار الاقتصادي و الذي يبدو انه ستكون أمامه صعوبات كبيرة و تشكيك حول مهامه و تشكيل فريقه و مخرجاته و التي حتما تحتاج الي توافق علي المسارات الآخري المصاحبة ، و في المقابل سنرى تحديات يقوم بها الطرف المقابل .
اي كارثة حلت علي اقتصاد البلاد تلك التي تعيشها البلاد وأي مصير مظلم جميعا نسير نحوه .