زايد …ناقص
بقلم /جمعة بوكليب
إن نويتَ السفر وحيداً، عليكَ بالتأهب استعداداً.
تحديدُ الهدف المراد تحقيقه، ووسيلة السفر، وتوفر القدرات المالية، والاستعداد الصحي، ومعرفة المحاذيرالأمنية، طوال المدّة المقررة، يُسهّلُ اختيار الجهة المقصودة. متى تمّ ذلك، عليك، أولاً، أن تبدأ بتصمم خريطة طريق مؤسسة على مبدأ مثل شعبي يتسم بســــــــــــخرية يقول ” حَمراء وجُرّاية وما تاكلش الشعير” إن استطعت إلى ذلك سبيلاً. هذا، بدوره، يتطلب منك صبراً وجهداً ودقة، لاختيار ولتحديد أفضل الطرق وأكثرها أمناً وأرخص مالياً في الوصول إلى تحقيق الهدف المرجو، في وقت زمني ممكن تحقيقه، وبأقل مشاق من أي نوع. أقصر الطرق وأرخصها، عادةً، لا يعني أنها الأفضل، أو أقلها مخاطر.
الأولوية أن تتعامل مع السفر على أنه ليس قطعة من عذاب، بل من متعة ومعرفة. السفر ترحال في تضاريس عالم معلوم / مجهول ومأمول، لقطف ثمار شجر متخيّل، وتذوق طعم فاكهة حقيقية، تشبه حالة حُبّ جديدة باحتمالين: أن تتسبب في هلالك، أو تمنحك حياة أخرى. رهانك على امكانية فوزك بحياة أخرى، هو ما سيزيد في اضرام توقك للسفر، ويدفعك لقبول المقامرة.
لاحاجة للمسافر، وحيداً، بأحمال لا يحتاجها. كلما خفَّ الحملُ كلما قلَّ التعب، وازداد أحتمال المتعة. يفضل أن تنطلق في سفرك فجراً، والروح في أول مراحل استعدادها للصعود وتسلق جبل النهار حتى ذروته المأمولة، حيث يمكنها أخيراً، أن تتنفس، هناك، الصعداء، وتستمتع برؤية العالم من علو يقارب النجوم. ومن المفيد أن يكون خط السير بعكس شروق الشمس. وحين تسلم نفسك للطريق لاتلتفت للخلف، بل تابع السير، بيقظة وحذر، للامام، وعيناك على الطريق، بتركيز على العلامات. وإذا شعرت بتعب، وهو أمر متوقع، توقف في أول محطة تصادفك، ونل قسطا قصيراً من راحة تنعش العقل والبدن والنفس، وراقب، على مهل، الدنيا من حولك، وكأنك تراها للمرّة الأولى: من ياترى تذوق مرّةً طعم بهجة عجيبة سَرَتْ في روحه وعقله ، ذات يوم، وهو يراقب الدنيا، وكأنه يراها للمرّة الاولى؟
السفرُ كتابةٌ من نوع آخر. شاقةٌ وممتعةٌ في آن معاً. لأنه توغلٌ في طرق ودروب لاتسير في خطوط مستقيمة، وليست كلها آمنة. قليلها بعلامات واضحة، وكثيرها من دون علامات، ولا محطات خدمات. وليس على المسافر، في صمت عزلته ووحدته، سوى الصبر والجَلَد، ومواصلة المسير بأمل الوصول إلى هدف يراه بعينيّ قلبه، رغم بعد المسافات.
السفر، أيضاً، كتاب لايكتملُ ولا يُملُّ. بصفحات تتزايد أعدادها، وليس، كغيره من الكتب، في حاجة إلى خاتمة. المسيحيون من أصحاب المذهب البروتستانتي يقولون إن البروتستانتي مؤلف دينه. وأستناداً إلى تلك المقولة، مع آخذ الفارق في الاعتبار، يمكنني القول إن المسافر مؤلف كتابه. والمؤلف الذكي والنّابه هو من يحاول أن يجعل كتابه ممتعاً، وقابلاً للقراءة مرات عديدة، وبلغات متعددة، فلا تنسى ذلك.
السفر حكاية، ومن ضمن وظائف الحكايات وأهمها أن تعمل على تنويم الملل والضجر في الروح مغناطيسياً، وتوقظ العقلَ والخيالَ والفضولَ للانطلاق. لكن السفر حكاية متميّزة، وتشبه حكايات شهرزاد. حكاية بلا نهاية، تتوالد منها حكايات أخرى، وبتفاصيل، وشخصيات، وأحداث لا حدّ لها، ممتعة ومؤلمة، وكائنات بشرية وحيوانية تطير في الهواء بلا جناحين. السفرُ حكايةٌ وجدتْ لأحياء القلوب وتواصلها، وفتح بوابات الطرق والمدائن أمام الانسان ليمارس كينونته، ويتعلم وينضج عبر تجاربه ومعارفه، ويتسع ادراكه عقلياً ووجدانياً، ويصير قادراً على مد جسور التفاهم مع غيره، والتواصل بغرض تجاوز الاختلافات العِرقية واللغوية والدينية والجغرافية والتاريخية، والاحساس بانتمائه للانسانية.