د.علي المبروك ابوقرين
عندما تتعرض الدول لأزمات وكوارث متلاحقة وتكون من كرب لكرب ومن حرب إلى حرب، وتدُمر فيها البنى التحتية بما فيها التعليمية والصحية، وتخرج معظم المرافق الصحية عن الخدمة، وتتوالى الانهيارات وتطال كل شئ، ويغيب الأطباء عن المستشفيات العامة بحجج ومن غيرها، وتتعطل بالمستشفيات المعدات الطبية وغيرها، وتختفي الأدوية والمستلزمات وتكون المخازن بالمرافق الصحية خاوية، ويجبر المرضى على أسواق الخدمات الصحية الخاصة في البلاد وخارجها، وكل مازاد الكرب زاد الفقر والمرض، وتوجه الناس لما يناسب القدرات والإمكانيات التي تتناقص وتشح، ويتربص بهم الحذاق، ولكل على قدر ماله وجاهه متاحة له الخدمات درجات، والأطباء خبرات وشهادات ودعايات، والأدوية من الأصلية للمقلدة والمزورة والمغشوشة مباحة، ومعظم التمريض والمسعفين والفنيين بقضهم وقضيضهم يتركون المستشفيات والمستوصفات الحكومية للأشباح ، أو للتوقيع والراحة من تعب المصحات ، وفي الازمات والكروب تزداد الأمراض والحوادث ومع الجوائح كما حدث مع الكورونا تفتح الأبواب للإرتزاق، وتتكدس في البلاد الأدوية والمستلزمات والمعدات التي لا أصل ولا فصل لها، وتتحول البيوت والورش والمخازن لمصحات ومعامل وصيدليات في المدن والقرى والمزارع بلا قانون ولا مانع ولا رادع ، ويتدنى التعليم الطبي والتدريب السريري لطلبة الطب والتخصصات ، وللتمريض والفنيين الصحيين، وبحجة الانشطة الاقتصادية والأنفتاح وإقتصاد السوق يتكالب كل من هب ودب على الاستثمار الصحي والتعليم في التمريض والطب ، وبالمال تباع الشهادات والضمائر على الأرصفة وعن بعد، وتتعدد اليفط والمسميات لمعاهد وجامعات واكاديميات بالعملات المحلية والأجنبية ، وتتوفر الدبلومات والبوردات والاختصاص في كل التخصصات بكل الدرجات ، ومن المنازل متاحة الكورسات وتطوير الذات ، والمسعفات يصرن ممرضات والطب العام يقوم بأدق الجراحات والتدخلات ، وفي غياب المتابعة والمراقبة والتدقيق والمراجعة لكل شاردة وواردة في منظومة العمل الطبي ، وفي انعدام التقييم للاداء المهني وغياب التقارير للوفيات والمضاعفات والأخطاء الطبية ، وفي غياب تطبيق المعايير الصحية والأدلة الطبية والبرتوكولات التشخيصية والعلاجية ، وفي الوقت الذي يكون المريض لا حقوق له ولا من يدافع عنه ، والقطاع الصحي مفتت لهيئات وامبراطوريات بمسميات وميزانيات تناسب شاغليها بلا معنى ولا فائدة منها ولا فيها ، في هذه الحالات الكرب يتوحش والناس تشتد عليها الأزمات وتفقد المجتمعات الثقة في الخدمات الصحية ويتراجع الآمان والأمن الصحي ، والعدالة والمساواة الاجتماعية ، ويزداد الإنفاق على العلاج من الجيب ومن المدخرات ، وينعدم تحقيق المحددات الصحية ، والتي بالضرورة تنعدم معها المحددات الاجتماعية …
واذا لم تتخذ الإجراءات والتدابير لوضع إستراتيجيات محددة وسياسات واضحة وجلية للإصلاح الصحي الحقيقي ، الذي يحقق التغطية الصحية الشاملة بنظام صحي قوي موحد وفعال ومنصف ، وقوى عاملة صحية مؤهلة تأهيلا عاليا وسعة سريرية تتناسب مع التوزيع الجغرافي والديموغرافي ، وموازنات كفيلة بتحقيق خدمات صحية متكاملة ومتطورة وحديثة ، وتطبيق معايير جودة الخدمات الصحية وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ونظام يراعي حقوق المرضى ويدافع عنهم ويشاركهم في كل تفاصيل الخدمات المقدمة لهم …
وان لم تضع الدولة يدها بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والرقابية على النظام الصحي بكل مكوناته سيزداد تدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية لمعظم الناس ، ومن لم يموت بالعلل سيموت بالطب المنفلت الذي انتجته الكرب …
الصحة والرفاه حق