محمود السوكني
كان “أحمد الحريري” يطمح أن يكون يوماً أحد مشاهير المطربين رغم رداءة صوته ، وقد حاول كثيراً واستمات في المحاولة لكنه فشل في أن يكون مطرباً وتعملق شاعراّ دانت له أمارة الشعر الغنائي الذي كان ينساب من قلمه بعذوبة شديدة وبمنتهى البساطة دون عناء . والحديث عن أمير الشعر الغنائي الليبي كما كنت ادعوه ذو شجون فهو الذي لم يتجاوز تعليمه المرحلة الإبتدائية ولم يكن قارئاً نهماً ولا مولعاً بالكتب وكانت ثقافته على إتساعها مستقاة من وسط الناس الذين أحبوه بمختلف شرائحهم وتباين مستوياتهم إلى جانب إهتمامه بمتابعة القنوات التلفزيّة الايطالية التي كان يعرف لغتها ، هذه الحصيلة التي شكّلت وجدان هذا الشاب النحيل هل كان يمكن لها أن تنتج شاعراّ بحجم “أحمد الحريري” ؟ أم أنها إرادة الخالق العظيم الذي غرس فيه موهبة شعرية فذة تخاطب الوجدان وتنتشي لسماعها الآذان .
لقد صقلت البيئة التي ترعرع في أحضانها موهبته الربانية ومنحته تلك الطاقة الإبداعية التي تنوّعت بين صحافة بزّ فيها اقرانه واعلام كان فيه مبتكراً وأشعار تنافست أشهر الأصوات على الفوز بها ، بل أن بعض تلك الأصوات إشتهرت بسببها وعُرِفت عبر أبياتها الدافئة .
لم يكن مولعاً بالكتب بل كان كسولاً لا يقرأ سوى الصحف السيّارة ، وازعم أنه لم يقرأ أغلب الكتب التي اهديت إليه إن لم تكن كلها وكثيراً ماتغاضى عن الكتب التي استعارها البعض منه ولم يكن يحفل باسترجاعها !
كان كذلك ، وكان فلتة زمانه شاعراً مرهف الحس صادق النبرة عذب الكلام تجاوزت اغانيه الألف أغنية ودواوينه الشعرية خمسة بدأت ب (لو تعرفي) وإنتهاءً بديوانه الخامس (إقلب الصفحة) وبينهما كانت روايته الوحيدة (وجدت في عيونكم مدينتي) وفي خضم كل ذلك شارك مؤلفاً ومقدماً وكاتباً ومعداً ومذيعاً لثمانمائة ساعة إذاعية .
ولبداية هذه الرحلة الإبداعية الباذخة قصة تحكى فقد كان الراحلان “كاظم نديم” و “السيد محمود” يلتقيان في بيت الاول كل يوم ثلاثاء من كل إسبوع إذا اسعفتني الذاكرة ، وكان الشاب “أحمد الحريري ” يمتطي دراجته الهوائية في إتجاه المدينة القديمة للقاء العملاقين وعرض محاولاته الشعرية قبل أن يشتهر ؛ قال لي “أحمد الحريري” أنه دأب على ذلك إسبوعيّاً ، وذات مرة قرر أن تكون المحاولة الاخيرة فإذ بها تكون الثابتة إذ تصادف أن كان هناك خلافاً محتدماً على أغنية كتبها الشاعر محمود السوكني المعروف بإسم “السيد محمود” ولحنها “كاظم نديم” تخاصم المطربان “محمود الشريف” و هو “عبداللطيف حويل” على غنائها فكانت المحاولة الحريرية طوق النجاة لفض النزاع وإعلان ولادة الشاعر الغنائي “أحمد الحريري” .
أما كتاباته فقد تأثر كغيره من مجايليه بإسلوب الكاتب الكبير “صادق النيهوم” الذي زامله في صحيفة “الحقيقة” وكان صديقه الاثير الذي لا ينفك يسأل عنه كلما عاد إلى أرض الوطن من غربته في بلاد الفرنجة .