منصة الصباح

غيمة تعزف مطرها الخاص

بقلم / مريم سلامة

كأني بالشعر وأنا ولدنا معا. قلت ما يشبه هذا الكلام سابقا, وأضفت ولكني لا اكتب الشعر. الشعر ما يعطيك لا ما تعطيه. أنا هنا استلمه كهبة ..منحة.. مغامرة في حياة رتيبة تحكمها ضوابط ليس لنا فيها يد.. التمرد إزاء التسليم بحياة العوام .. الحلم إزاء صلابة الواقع, وأحيانا صفاقته.. الخيال إزاء المشاع, المعادلة الثابتة.. لا تبدو أشياء كهذه حقيقية ولكن أخذها منه يجعلها الشعر بمثابة أجنحة جوانية حياة مغايرة عن حياة الأتراب.. وطريق مختلف يمنحك صحبة الذات. الشعر رفيق صمت وحكمة ولذة إخراج الجناح من الشرنقة والضوء من النفق وأيضا إدخال اليد في الحفرة واللعب بالنار.. الشعر في الكلمة شكل ونغم ووزن ولكن أيضا الشعر في الروح مدخل ومخرج.. وأسلوب حياة.. قاومت الحبس بالشعر في أحلام طفلة سجينة الذي صدر في قبل أن ابلغ الثلاثين من عمري ولكن احدث قصائده كتبت قبل الثانية والعشرين.

قاومت بالشعر صدا المشاعر عندما يتلبسها الغياب والحظر ونجوت بقلبي من الحكم بالحبس الغيابي وصعدت التلة إلى أخرها حتى أيقن قلبي أن الشمس طالعة ولكن الغمام يحجبها.. رتلت قصائدي وصليت وهانذا حمامة بين العش والقفص.. هذا هو الشعر يمنحك حياة العش وأنت في قلب القفص كأن تكوني تارة ضفدعة في عش وتارة أخرى حمامة في قفص.

ليس للنثر لماذا. هو شغف التحرر من شكل وأشكال.. اتساع الدائرة حتى تصبح فضاء بسعة الكون.. ما يستوعب بوحنا وإسهابنا في همنا أو حلمنا.. انهارا تستعد لغيث واعد.. وسواقي تمتد وتتشعب عن انهار فياضة بالخصب والطمي… الكلمة نبع الماء العذب يستغوي الفوضى فتهبه الكثير.. المتنوع المختلف من أجنحة خفاقة إلى قطعان ماشية إلى ربيع بألف لون.. وسماء واحدة ترقب المشهد عن كثب فتبارك الإبداع وتستثني الغث. أحب النثر اكتب به الشعر وأحب الشعر اكتب به أنا وآخرينها ها.النثر فيه طعم الكتابة على السجية بحب وحرية ودهشة الهطول من غيمة خارجة عن السرب تعزف مطرها الخاص على وتر أصيل. أردت أن اكتب زاوية أسبوعية حتى قبل أن أتخرج من الجامعة. كان ذلك في عام 1987 في صحيفة الشط ولكن لم أرد البوح أو التعبير بكلام جرائد وأخبار صحف بل دفقات شاعرة تعرف الشعر كحياة حتى لو لم تكن راضية عن شعرها كنص فكتبت في مواضيع عامة يتناولها الصحفي ولكن بشكل مختلف فيه نثر الشعر أو ربما مقالة شعرية ومنذ ذلك العام وحتى ألان اكتب العام في زاويتي بخصوصية شاعرة وسيلتها في ذلك النثر.بل لم ينجو من جو الشعر حتى الدراسات والبحوث التاريخية لطالما تعرضت (للتدخل السافر) من الأكاديميين أو ردوها عليا للمزيد من التقشف الشعري!!!

الشعر هاهنا في مكان ما بين الحواس والعصب و أنا هنا في ارض تتحرك تحت قدمي.. ارقب ربي اسأله أن يصلي لي.. يعطيني الثبات.. سلامة النظر و أنا امشي في حقل ألغام أو أنام على موجة في المحيط الهادر الجارف العميق القاع و الزرقة.. أحبو نحو أصابع ناعمة.. أتشبث بزهرة عباد الشمس  بضحكة طفلة.. بلون غامض في لوحة.. بحبيبي بهدب وطني.. بذرة رمل غريبة قذفتها رياح بعيدة عن ترابها ..عن مكانها وعن الشجرة التي تستظل بها.. وهكذا من عوالم مألوفة وأخرى غريبة تجتمع ينابيع في نبعي و يمتلئ بالشعر فمي وقبل أنا أغادر سريري أقول ما عندي واذهب لشأني قد يكون هذا الشأن في المطبخ أو جولة مع سواح قدموا من بعيد إلى مدينتي القديمة طرابلس. واقل ما اهتم به أن اكتب هذا النص ولكن يحدث أحيانا أن اختلي جانبا واكتب كلمات اشتغل عليها لاحقا أو ادعها كما هي وربما انشرها أو تبقى كذكرى أو اثر من قبلة خاطفة.

يصنف البعض كتاباتي المنشورة (نصوص) لاختلافها الشكلي عن الشعر و أنا اسميها مقالات شعرية لأنها كتبت لتكون مقالة أسبوعية فيها ,كما قلت, هذا الشغف بالشعر .. بالحب الذي فيه وبالغضب أيضا والفرح الساذج والتساؤل الشرس والعشق البريء فيها ما في الشعر من سحر وتوق وهدوء وصخب.. نحتفظ بطفولتنا بقدر احتفاظنا بعلاقتنا مع الشعر خارج النص.. وهذا سر الخلود الذي نتشاطره مع القصيدة الحية في وجدان الناس..

البعض يكتب شعرا جميلا لكن حياته لا تختلف عن حياة موظف عمومي في مؤسسة نمطية وهذا شانه, وهو حر ونحن نقرا شعره الجميل ولا يهمنا أن نعرفه ولكن لماذا لا يعطيه هذا الشعر الجميل شيئا من جماله ككائن يفيض عشق وحرية وتمردا وعنفوانا وثورانا لماذا يظل هو شاعر لا يتذوق حلاوة شعره وكآن العنب في حقله محظورا عليه لأنه مقيد بشكل ما إلى منظومته الداخلية ولا يحظى بها القدر من مسرح الحرية في الشعر. ونحن نسعد بهذا القدر من الحرية التي يهبنا إياها الشعر عندما نكتبه نكسر قيد الجبن ومراعاة التقاليد والامتثال للعرف والالتزام بالقواعد والشكليات في مؤسسة الآداب العامة نحن نحلق معه ونرف معه ونعزف طيشه ونزقه ولامبالاته كي لا نكون كائنات داجنة.

 

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …