أشرعـــة
بقلم / جمال الزائدى
لست أدعي متابعة جدية لكل ماينشر من نتاج سردي في بلادنا ..لكن ما أتاحت لي الصدف قراءته في السنوات الاخيرة من إصدارات منسوبة لفن الرواية ، لايمكن من وجهة نظري أن تكون كذلك ..
ثمة خلط واضح لدى بعض كتابنا الشباب ، بين الرواية كنمط إبداعي قائم وفق شروط ومحددات فنية صاغتها ذائقة أدبية مختلفة ، وبين فن الحكاية المعروف في تجارب وثقافات منطقتنا ..
بعد خليفة حسين مصطفى واحمد إبراهيم الفقي وإبراهيم الكوني والنيهوم يصعب على الذاكرة استحضار أسماء مهمة في الساحة المحلية يمكن إدراجها في خانة الروائيين المعروفين خارج الحدود..والسبب ليس الإهمال المتعمد من قبل النقاد والمؤسسات الثقافية العربية كما يسوق مرضى الشوفينية الوطنية التي تربط كل إخفاق أو فشل بمؤامرة كونية تستهدف طمس عبقرية الشعب الذي ابهر العالم ، لكنه القصور الذاتي لدى أجيال جديدة من الموهوبين لم تجد السياق المؤسس والرعاية النقدية الحقيقة التي ترسم الحدود الفاصلة بين الغث والسمين وبين الأصيل والمزيف ..
في العقد الأخير أسرفت وزارات الثقافة المتعاقبة في طباعة «أعمال روائية» لأسماء شابة بعضها معروف وأكثرها مجهول..وبلغ من هزال وضعف هذه الأعمال أن لا أحد من القائمين على أمر الإجازة والطباعة كما يبدو قد كلف نفسه حتى عناء مراجعتها لغويا وإملائيا.. كما لو أن المطلوب في نهاية المطاف إيجاد المبررات الواهية لتبديد المال العام ..
سيكون من باب لزوم ما لايلزم تكرار القول أن غياب الحركة النقدية أدى إلى فوضى أدبية و فكرية سلمتنا في النهاية إلى ضياع مقاييس التقويم واستسهال الكتابة وكثرة التكرار في الأشكال والمضامين وأكثر من ذلك السطو الأدبي ..
إن وجود الحركة النقدية كفيل بمسح الأعمال الفكرية والأدبية بشمول، وتقويمها بدقة ليعطى كل ذي حق حقه .. ولتتضح مقاييس التقويم ، وتستبين معالم الطريق بوضوح..
من حق أي كان أن يحلم أو حتى يعتقد بأنه كاتب روائي عظيم ..فلا يملك احد أن يمارس الرقابة على أحلام ومعتقدات الناس ..لكن من حق القاريء أيضا ألا تضلله مؤسساته الرسمية والأهلية ممثلة في دور النشر حين تطبع كتابا بغلاف انيق ومحتوى تافه ..
لست أنادي بضرورة وجود رقابة من أي نوع على ما ينشر ، كل ما أريده أنا وبقية القراء أن توجد آلية واضحة لدى وزارات الثقافة ودور النشر ، لفرز ما ينتمي حقا إلى حقل الأدب والإبداع وما ينتمي إلى الثرثرة غير المنضبطة .. وقبل ذلك وبعد ذلك أظن ان ثمة هناك واجب ثقيل يقع على عاتق الأكاديميين وعلى عاتق الكتاب الكبار في التصدي لهذا المد المتعاظم من التفاهة والاستسهال الذي يشوه الذائقة العامة ويوسع هامش الجرأة لدى عديمي الموهبة ممن يتعاملون مع الكتابة الإبداعية كوسيلة رخيصة لطلب الشهرة أو مطية لتحقيق مآرب مادية بغير استحقاق..
ويبقى السؤال الملح في الختام :-
لماذا لا نملك حركة نقدية حقيقة، هل القضية تتعلّق بعدم وجود نقاد لدينا؟ أم أنّ لها أسباب أخرى اكثر تعقيدا؟!