مفتاح قناو
في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كنا طلابا في المدارس الابتدائية، وكان الزمن هو زمن المملكة الليبية، ومازلت أتذكر أن يوم 26 أبريل من كل عام كان يوم عطلة رسمية، تعطل فيه المدارس ويطلقون على هذا اليوم (عيد الوحدة المباركة)، ويشرح لنا المعلمون في اليوم التالي من العطلة معنى عيد الوحدة ولماذا يعتبرونه مباركا، فيقولون بأن الدولة الليبية كانت مقسمة إلى ثلاث أقاليم تتباعد جغرافيا عن بعضها، وبكل إقليم سلطتين تشريعية وتنفيذية ومجموعة موظفين كبار مثل الوزراء يسمونهم ( نظار )، ثم توجد حكومة اتحادية فوق هذه الحكومات المناطقية الثلاثة، وأن هذا النظام قد أرهق ميزانية الدولة الليبية، لأن التكلفة المالية لتطبيق هذا النظام عالية جدا لوجود أربع حكومات، ثلاثة منها في الأقاليم والرابعة اتحادية، إضافة إلى محدودية موارد الدولة الليبية في ذلك الوقت قبل ظهور النفط ودخوله الأسواق العالمية، لذلك اتجهت إرادة البرلمان الليبي وإرادة الملك إلى إصدار القانون رقم 1 لسنة 1963م الخاص بإلغاء النظام الفدرالي وإعلان ليبيا دولة موحدة، حيث نصت المادة الأولى من القانون بالأتي: ( يلغى النظام الاتحادي بالمملكة الليبية ويستعاض عنه بنظام الدولة الموحدة المبين بالدستور وبهذا القانون ). وبالنظر إلى النظام الفدرالي نجد أنه طُبق في ليبيا منذ إعلان الاستقلال في 24 ديسمبر 1951م وحتى يوم 26 أبريل 1963م يوم عيد الوحدة الوطنية، ولا يخفى على أحد بأن النظام الاتحادي (الفدرالي ) قد كان نتيجة طبيعية للسيطرة الأجنبية على البلاد، فسيطرة بريطانيا على برقة وسيطرة فرنسا على فزان، وسيطرة الوجود الاستيطاني الايطالي على كل المرافق الاقتصادية الهامة في منطقة طرابلس وما حولها، كل هذه العوامل مع التباعد الجغرافي بين الأقاليم والفاصل الصحراوي الكبير في المنطقة الوسطى وصعوبة المواصلات البدائية، كل ذلك جعل تكوين دولة اتحادية من ثلاث أقاليم هو الخيار المناسب في ذلك الوقت، ولم يكن هذا العمل نتيجة لإرادة الليبيين. لقد بارك الليبيون في جميع مناطق البلاد صدور القانون الخاص بتوحيد البلاد، كما ظهرت بعدها أقوال متضاربة عن أن ذلك الفعل قد تم بمباركة من كبريات شركات النفط الأجنبية التي دخلت البلاد قبل ذلك العام بسنوات قليلة والتي كان يهمها أن تتوحد البلاد حتى تتمكن من العمل والمشاركة مع حكومة ليبية واحدة، ليسهل التعامل معها، وإن لا تضطر للعمل والمشاركة مع أربع حكومات ليبية مختلفة ستخلق لها مشاكل مضاعفة هي في غنى عنها. في هذه الأيام يتأرجح حال الدولة الليبية بين عديد الخيارات السياسية من الوحدة إلى الانقسام ــ الذي يتجاوز الفدرالية ــ حيث مازال حملت السلاح في كل المناطق يفرضون على ليبيا وشعبها التشتت الذي قد يصل بها إلى إلغاء شرعية وجودها، وأصبحت تتأرجح بين أن تبقى أو أن لا تبقى دولة مستقلة موحدة عضوا في الأمم المتحدة. تمر علينا يوم الجمعة المقبل 26 أبريل الذكرى 61 لهذا ( العيد الليبي الهام ) وقد نسيناه جميعا، ولم يعد أحدا منا يحتفل به بل ولم يعد يتذكره إلا القلة من محبي ليبيا و تاريخها المجيد.