بقلم/ ياسين العنقودي
الحديث عن النخبة اليوم يستدعي بالضرورة الحديث عن الفئة أو الطبقة المتعلمة وبما أن لكل مجموعة اجتماعية كما يقول غرامشي جماعة المثقفين الخاصة بها، فأنا اقصد نخبة الطبقة المتعلمة التي يحتويها فضاء الجامعة والتي من المفترض أن تكون المصب الأخير الذي يحتوي كافة تناقضات الحاضنة الاجتماعية للأفراد والجماعات واقصد بها الدولة الوطنية وهذه الروافد تشكلها النخب الأخرى لرجال الإعلام والصحافة والنقابات والقانون وغيرها من خارج إطار الجامعة ولا أريد الإطالة في هذا الشأن فهو أمر معروف ولا يحتاج إلي زيادة إيضاح،
ولكن عن أي جامعة نتحدث اليوم ؟ هل هي الجامعة المتوقفة علي لحظة زمنية ماضوية تجترها وتعيد إنتاجها أم أنها الجامعة التي تستشرف مستقبلها بنخبها القديمة المتجذرة ونخبها الجديدة المتوافدة عليها من كل حدب ؟ وقبل أن نخوض في الموضوع توجد أسئلة أخرى أود طرحها قبل البدء : ما هو الدور الذي تمارسه هذه النخبة بخلاف عملية التلقين التي تكرر ذاتها ؟
هل تمثل هذه النخبة اليوم مصلحتها أم أنها تضع نفسها كطرف نزاع فوق العادة يمثل مصلحة مجموعة الغلبة والهيمنة وأقصد بها المجموعة السياسية في السلطة ؟ هل الواقع هو من يشكل هذه المجموعة أم أنها هي من يتولى قراءته وتحليله ونقده وبالتالي إعادة صياغته بما يخدم المصلحة الوطنية ؟
أيضا أريد أن أتساءل عن الآليات البحثية لهذه النخبة هل هي آليات جامدة أم أنها آليات متجددة تطور ذاتها ؟
كما أرغب أن أتساءل عن ماهية ومسميات مخرجات الجامعة هل هم معلمين أم متعلمين أم خريجين أم أكاديميين أم باحثين أم غير ذلك ؟
أود أيضا إيضاح أمر ما ، أنا أتحدث بشكل خاص عن أصحاب العلوم الإنسانية وإن كنت لا أستثني بعض أساتذة العلوم التطبيقية ولا أحرمهم المشاركة الفكرية ، العلوم الإنسانية بوصفها المحرك الفكري الفلسفي داخل الجامعة ، فلا أحد يجهل أن العلوم التطبيقية خرجت من رحم الفكر الفلسفي والتساؤل العقلي واستدعاء العلم ، وأتساءل أين يتموقع الفكر اليوم عند هؤلاء وماهي وظيفته ؟
تساؤلات وتساؤلات كثيرة تكاد لا تحصى ، فهل يمكن اليوم الحديث عن صراع فكري بين من يمثل الفكر النخبوي القديم وبين من يتمثل الحداثة والفكر والمفاهيم الغربية أو حتى يمزج القديم بالحديث ؟ كيف يمكن اليوم الحديث عن توجيه الواقع الثقافي المحلي ومن ثم الواقع الاجتماعي والارتقاء به من قبل النخبة ؟ ومحليا أيضا أين هي هذه النخبة اليوم من دورها في نقل الصراع من ساحة الاقتتال إلى ساحة الصراع الفكري ؟
ماهي إجابات النخبة اليوم عن الثقافة والثقافة الممكنة وتحولات الثقافة والمرجعيات والأفكار المسبقة أو الأفكار القبلية ودورها في صياغة الممكن الثقافي ؟
وهل يمكن اليوم طرح أفكار قبلية جديدة لكسر تلك البديهيات القبلية الأولية الثاوية وراء الفكر؟ مثلا هل يمكن إنهاء القطيعة بين النخبة المتعالية و الشعب واعتبار إعادة التواصل معه فكرة سياسية أولية قبلية كشرط لقيام ثقافة جديدة ؟ ماهي إجاباتهم اليوم حول تفكك وانهيار الجماعة المحلية ومن أين يمكن اليوم اقتناء موجهات السلوك الاجتماعي ؟
ولأنني أمارس سلطة السؤال المشروع فلأنها السلطة الممكنة والمتاحة اليوم أوجهها لهذه النخبة المتعالية التي ترفض الجلوس إلى كراسي الطبقة الأدنى علميا ( ولا أعمم ) والتنازل عن نرجسيتها المرضية
وبمناسبة الحديث عن الأفكار الأولية والمسبقة أود الاسترسال في طرح الأسئلة فأتساءل اليوم ماهي مسبقات وجود الجامعة ؟ أي بمعنى ماهي الفكرة الأولية لوجود الجامعة ؟
وهو سؤال لا يُطرح باعتبار انه من البديهيات وإجابته أسهل من السهل ولكني متأكد أن الإجابة مختلفة وهي تؤسس لبديهية أخرى بسيطة ثاوية وراء الفكر ففي نصه حول الجامعة يجيب جاك دريدا بشكل غير مباشر وكمسبقة لوجود الجامعة وإن لم يطرحها بصفتها تلك) يقول : يتعين على الجامعة الحديثة أن توجد بدون شرط ..
و هذه الجامعة يجب عليها أن تتعرف على ذاتها داخل حرية غير مشروطة للمساءلة فضلا عن الحرية الاكاديمية وأن تعبر علانية عن كل ما يتطلبه البحث كما يتحدث دريدا عن الجامعة كفضاء أخير للمقاومة النقدية فيقول يتعين على الجامعة ان تكون ايضا فضاء لا يستثنى فيه أي شيء داخل المساءلة بما في ذلك الصورة الحالية المحددة للديمقراطية وحتى الفكرة التقليدية للنقد.