منصة الصباح

عن صباحات الآحاد

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

 

 

للورود والزهور نكهات مختلفة. وللفواكه والاعشاب البرية، وللبشر أيضاً، نكهات مختلفة، آخذين في الاعتبار الفروق. السؤال إذا كان للايام أسماء للتفريق بينها، فلماذا لا يكون لكل يوم نكهة خاصة به تميزه عن غيره؟  ربما لذلك السبب أعتبر أن نكهة يوم الأحد، في بلدان الغرب المسيحي بصفة خاصة، متميزة، يعرفها بلا شك أولئك الذين عاشوا في تلك البلدان. المطرب الأمريكي ليونيل ريتشي في واحدة من أغنياته المعروفة وصف نفسه بأنه :”سهل كصباح الأحد – Easy like Sunday morning . هذا الوصف – في رأيي – يشق فهمه على ما لم يعش تجربة صباح الأحد في الغرب.

وأعترف أنني لا أعرف، على وجه الدّقة، كيف يتم التعامل مع أيام الآحاد في البلدان العربية والإسلامية، التي تضم أقليات مسيحية، مثل مصر. وعلى سبيل المثال، هل يسمح لأتباع الدين المسيحي فيها بالتغيّب عن العمل والدراسة  أيام الآحاد؟  وحتى في حالة حدوث ذلك، فإن أغلبية السكان في تلك البلدان تتعامل مع  أيام الأحاد بعادية، ولا تضفي عليها ميزة. وبالتالي، فإن صباحات أيام الآحاد فيها  لا عليها يستحوذ هدوء غريب،  تستسلم له،  صاغرة و مذعنة، مملكةُ الصباح.

يوما السبت والأحد  عطلة أسبوعية. لكنهما بنكتهتين مختلفتين. وفي البلدان التي تنتمي إلى المذهب الكاثوليكي مثل ايطاليا وأسبانيا وفرنسا، أو إلى المذهب الارثوذكسي مثل روسيا واليونان وصربيا…الخ،  حافظ يوم الأحد  على صفته الدينية، بكونه، أسطورياً، اليوم السابع، يوم الراحة الآلهية. اليوم الذي استراح فيه الخالق،  بعد قضاء ستة أيام متواصلة في خلق العالم.  ولذلك، تعمر فيه الكنائس بالمصلين. وتصعد فيه متضرعة الصلوات والابتهالات والدعاء إلى السماء.

في بريطانيا، البلد المسيحي البروتستانتي، فَقدَ يومُ الأحد – نسبياً – صفته الدينية منذ التسعينيات تقريباً من القرن الماضي، بعد أن خسر المعركة أنصار الإبقاء على صلته الدينية مع خصومهم من العلمانيين الليبراليين. وصار – إلى حدّ ما – أقرب ما يكون إلى بقية أيام الأسبوع، عدا كونه يوم راحة. إذ تفتح فيه الحوانيت والمقاهي والحانات والمولات أبوابها، ولكن لساعات أقل، مقارنة ببقية أيام الأسبوع. وعلى الطرقات يشتد زحام السيارات مثل الأيام العادية، لكن وسائل المواصلات العامة تقلص من ساعات خدمتها.

علاقتي الشخصية بأيام الآحاد، تبدو لي لا تختلف عن رسم بياني. يبدأ من نقطة الصفر ويصعد تدريجياً، ثم يعود هابطاً بحدّة. وتفسير ذلك، أنني  في بداية حلولي ببريطانيا، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لم أطق، في البداية، أيام الآحاد.  وفشلت في بناء علاقة ودية معها، من شدة ما تنزله بقلبي من ضجر، و تضطرني للبقاء مكرهاً بين جدران بيت يلتحف الصمت،  فاحسّ وكأنني سجين في حبس انفرادي. حتى البرامج التلفزية الصباحية تصير مملة. هذه المرحلة تغيرت سريعاً بتغير وضعي المعيشي من عاطل إلى طالب جامعي. خلال تلك السنوات، صار ليوم الأحد طابعاً مختلفاً، وصرت أنتظره كما كنت أنتظر، وأنا صبي، وصول يوم الجمعة. وازدادت العلاقة وثوقاً بأيام الآحاد لدى التحاقي بدنيا العمل. ولم تصب العلاقة بالخمود والانطفاء إلا عقب سنوات طويلة، لدى احالتي على التقاعد. فانتكس مسار الرسم البياني، وانكفى هابطاً  على رأسه، حتى كاد يصل نقطة الصفر، كما يحدث لدى انخفاض عُملة فجأة،  في مؤشر تداول العُملات الدولية. وصرت كل ما أفعله، هو الخروج إلى أقرب محل  إليَّ، لاقتناء ما أجده معروضاً من صحف، وأعود مسرعاً إلى بيتي. وبذلك تكون تلك  بداية الأحد ونهايته. ومن دون نكهة.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …