في نهاية العقد الأول من الالفية الثانية كنت محظوظ بقراءتي خبر في صحيفة ليبية يقول أن فوكوياما سيلقي محاضرات في طرابلس، فوكوياما المفكر الأمريكي مؤلف الكتاب المفصلي (نهاية التاريخ والرجل الأخير).
لقد كان زمنا غريبا، فوكوياما يحاضر في عاصمة دائخة تستعد لاستقبال زمن جديد بمفردات جديدة.
هل كانت المدينة تعيش أزمة لغوية، بلا شك، لكن أي تغيير لا يتم الا بالكلمات.
وقف ذلك الأمريكي من أصول اسيوية في بدلة داكنة يحرك يد واحدة للمستمعين، صوته الذي كان يصلني عبر كلمات المترجم اشعرني ان أمريكا واقفة الان في طرابلس وتتحدث معنا.
أمريكا، الكلمة اللغز، المفتاح الذي قد تراه قفلا، والقفل الذي قد تحسبه مفتاح.
لم تفارق الابتسامة وجه فوكوياما، ابتسامة جميلة تضاهي الابتسامة على وجه الموناليزا.
كانت القاعة مخدرة بافيون السلام العالمي، هاهي أمريكا في بيتنا، تتحدث معنا، تجمعنا قاعة واحدة، لقد أصبحت صديقتنا.
وقف أحد المتداخلين على المنبر ليعكر مزاج خدرنا بالحلم الأمريكي وقال: لا اصدق ان المدينة التي حاضر فيها البيطار تستقبل الان فوكو ياما للحديث.
فكرت ان اصرخ مثلما كنا نفعل في السينما حين ينقطع الصوت: الصوت يا حاج.
لم يتركنا المتحدث في انتشائنا بعودتنا الى العالم، لكننا في مكان للنقاش فليقل ما يشاء.
لكن ابتسامة فوكوياما اعادتنا من جديد على كراسي نشوتنا.
كانت المسافة بيني وبين فوكوياما تعادل الخمسة أمتار، لكن رغم نشوتي كنت أرى ان المسافة الحقيقية بيننا أبعد من ذلك، قد تكون خمسة قرون وقرن فلفل.
كان فوكوياما في رحلة الى الماضي، وكان الحاضرون في رحلة الى المستقبل، وكانت الجسور أخف من ان تتحمل الدوس.
بلا شك، كثيرة هي الأزمنة الليبية.