منصة الصباح

صناعة السياحة في ليبيا، مُجرد حلم .. أم واقع يمكن تحقيقه؟

إعداد: طارق بريدعة

دون مقومات .. بلدان تعيش على دخل السياحة، وليبيا بسواحلها وصحاريها تعيش على برميل النفط

الجزء الأول

ربما كنّا في حاجة إلى هيئة صراحة وليس سياحة، فعدد الذين يعملون في هيئة السياحة أكثر من عدد السواح بأربعة أضعاف، إن لم نقل أربعين ضعفاً.

إلى جانب مسرح ميناء طرابلس الذي يتم تأجيره من صالات الأفراح، ليس لهيئة السياحة إلا الصرف من أبواب الميزانية العامة، على عكس الدول الأخرى بما في ذلك الصومال، والتي تعمل هيئة السياحة فيها على الارتقاء بهذه الصناعة بكل مشتقاتها سواء الثقافية، أو الدينية، أو الترويحية وغيره.

عندما نتكلم عن السياحة، يعني إضافة قيمة للاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل القومي من النقد الأجنبي، إضافة إلى تحسين سوق العمل من خلال توسيع قاعدة الاستخدام في قطاعات الفندقة، والنقل، والزراعة، والصناعة وغيره، وتحقيق فوائض في ميزان المدفوعات، واستثمار ثروة حضارية، وكنوز جغرافية.

يقول المواطن عبدالعزيز الراجحي إنه يمكن تعزيز السياحة الثقافية والتاريخية بحفظ المواقع الأثرية والترويج للتراث الثقافي الغني لليبيا، وجذب السياح المهتمين بالتاريخ والثقافة.

وينبغي استكشاف وتسويق المناطق السياحية الجديدة في ليبيا لتنويع العروض وجذب فئات مختلفة من السياح، كما يشير إى ضرورة دعم السياحة الداخلية من خلال تقديم عروض خاصة للمواطنين لاستكشاف جمال بلدهم، مما يساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل.

لعل الظرف الأمني في البلاد غير مناسب الآن، ولكن يجب – على الأقل – أن تكون هناك نية للاهتمام بالقطاع، فالسياحة يمكن أن تعني كل شيء، إلا تكديس ألاف الموظفين دون عمل، “ينشوا في الذبان” على أجمل شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

بديل للنفط

“ الاستقلالية الاقتصادية “ 

يقول : “ خالد الفطيسي”  أحد المسؤولين في قطاع السياحة،لمنصة الصباح، أنه في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها ليبيا بسبب تقلبات أسعار النفط والاستقرار السياسي والأمني، يجب على البلاد النظر في تعزيز قطاع السياحة كبديل مستدام للدخل النفطي السابق، مشيراً إلى أن البلاد تتمتع بموارد طبيعية متنوعة تشمل شواطئها الجميلة، الصحاري الساحرة، والجبال الرائعة، مما يجعلها وجهة جذابة للسياح على مستوى العالم، بالإضافة إلى المدن الأثرية الغنية مثل المناطق في الشرق الليبي وصبراتة ولبدة ، ومواقع آثار رومانية ويونانية تضفي جاذبية تاريخية على البلاد.

إن تنويع الاقتصاد يعد أمراً حيوياً لتقليل الاعتماد الكلي على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني، إذ يمكن لذلك أن يعزز المرونة الاقتصادية ويتقلل التأثيرات السلبية لتقلبات أسعار النفط على الاقتصاد.

ومما يحقق تعزيز الاستدامة أيضا، استخدام مصادر دخل متنوعة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، بما في ذلك تعزيز البنية التحتية، وتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية، وتوفير فرص العمل للشباب.

ويتطلب الامر تعزيز الاستقلالية الاقتصادية من خلال توسيع قاعدة الدخل، يمكن لليبيا تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتحقيق أكبر استقلالية اقتصادية.

ويمكن  أن يكون القطاع السياحي واحداً من البدائل الرئيسية للنفط في ليبيا، نظراً للثروات الطبيعية والتاريخية الغنية التي تمتلكها البلاد، ويمكن لتطوير هذا القطاع أن يجذب السياح ويولد فرص عمل جديدة في الفنادق والمطاعم والخدمات الأخرى المتعلقة.

“النقد الاحتياطي في خطر “

اما  خبير الاقتصاد “عبدالمنعم الإدريسي “ يؤكد على إن هناك عديد المقومات التي من شأنها تحويل دفة الاقتصاد الليبي من اقتصاد ريعي بحث، يعتمد اساسا على مبيعات النفط الخام والغاز، ويعتبر أن اعتماد ليبيا على النفط هو السبب الرئيسي في جعلها “محلّك سر” جراء محدودية المردود المادي لهذه الثروة، التي بالكاد تكفى لتغطية النفقات التسييرية، دون أن يكون للتنمية بكافة أشكالها ما يكفي للإيفاء بالتزاماتها.

ويضيف الإدريسي أن هذا الواقع بدأ بالتفاقم مع مرور الوقت، إلى أن دخل إلى عقر دار الاحتياطي الاستراتيجي من النقد الأجنبي، وهو ما بات حاجة ماسة وضرورية وعاجلة لتصحيح مسار الاقتصاد الليبي عبر تنويع مصادر الدخل القومي، من خلال الاستثمار في الموارد الأخرى المتاحة في ليبيا، لكنها لم تجد الاهتمام اللازم بها من حيث التخطيط والتنفيذ.

ويؤكد الإدريسي أن إحدى هذه الموارد هي ما تزهر به بلادنا من عناصر جدب سياحي قل نظيرها في بلدان أخرى، ففيها الشواطي الساحرة، والسهول الرملية الناعمة وتمازجها مع الجبال، والواحات الخلابة التي يستهويها عدد كبير من السياح، وإلى جانب هذه المقومات الطبيعية، هناك كم هائل من الآثار الاغريقية والرومانية التي مازالت شاهدة على تاريخ هذه الأرض بشرق البلاد وغربها ووسطها وجنوبها.

“ دور القطاع الخاص “

متحسرا يقول “  الإدريسي ” : لدينا وزارة للسياحة، لكن ليس لدينا الإرادة الكافية للاستثمار في هذا الجانب المستدام متى تم استثماره بشكل جيد بدءا  من التخطيط وانتهاء بالتنفيذ، وليس بالضرورة أن تكون السياحة في صورتها المشوهة التي تستلزم مرافق الترفيه العبثي، فهناك صنف من السياح تستهويهم الصحراء والواحات والمناطق التاريخية”.

ويرى أنه فقط بقليل من الإرادة وقليل من الاستفادة من تجارب الآخرين في المجال، وقليل من الاستثمار اللوجستي في أماكن الإيواء والمواصلات من قبل رجال الأعمال، يمكننا وضع حجر أساس متين في هذا الجانب الحيوي، وسيزدهر مع مرور الوقت.

إمكانيات “ضخمة”

تمتلك ليبيا  إمكانيات كبيرة في قطاع السياحة تجعله واحداً من أهم مصادر الدخل التي يمكن للبلاد أن تعتمد عليها، وتشمل تلك الإمكانيات مجموعة متنوعة من الموارد والخدمات التي يمكن أن تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.

طلبنا من الجهات المختصة تزيدنا بأرقام وإحصائيات تعكس الإمكانيات اللوجستية المتوفرة، في حال تحولت ليبيا إلى وجهة سياحية وقررت الإعتماد على السياحة كمصدر للدخل، وفيما يلي أبرز ما تحصلنا عليه:

الفنادق والنزل في كافة أنحاء البلاد:
– عدد الفنادق 324 فندق.
– عدد الغرف 17,659 غرفة.
– عدد الأسرّة 43,898 سرير.

القرى السياحية المصنفة:
– عدد القرى السياحية 104 قرية.
– عدد الغرف والشاليهات 5,798 وحدة.
– عدد الأسرّة 23,192 سرير.

الفنادق والقرى السياحية غير المصنفة
– إجمالي الفنادق والقرى غير المصنفة 362 موقع.
– عدد القرى السياحية 71 قرية.
– عدد الفنادق 191 فندق.

كما شملت الإحصائيات التي تحصلنا عليها، الخدمات التي يمكن أن تدعم القطاع والعاملين حتى عام 2023:

عدد المقاهي والمطاعم 2,229 موقع:
– عدد المقاهي: 852 مقهى.
– عدد المطاعم: 703 مطعم.

مقدمو الخدمات السياحية 2023:
– شركات السفر والسياحة 2,202 شركة.
– مكاتب السفر والسياحة 130 مكتب.

القوى العاملة في القطاع السياحي
– العاملين في الفنادق والقرى السياحية 37,000 عامل.
– العاملين في المقاهي والمطاعم 9,000 عامل.
– العاملين في الشركات والمكاتب السياحية 8,536 موظف.

أما عن الأماكن التي خُصصت أو يمكن تخصيصها للسياحة في كافة أنحاء البلاد، فهي كالأتي:
– عدد المدن المصنفة للاستثمار السياحي 15 مدينة.

الفنادق والنزل في كافة أنحاء البلاد:
– عدد الفنادق 324 فندق.
– عدد الغرف 17,659 غرفة.
– عدد الأسرّة 43,898 سرير.

القرى السياحية المصنفة:
– عدد القرى السياحية 104 قرية.
– عدد الغرف والشاليهات 5,798 وحدة.
– عدد الأسرّة 23,192 سرير.

الفنادق والقرى السياحية غير المصنفة
– إجمالي الفنادق والقرى غير المصنفة 362 موقع.
– عدد القرى السياحية 71 قرية.
– عدد الفنادق 191 فندق.

كما شملت الإحصائيات التي تحصلنا عليها، الخدمات التي يمكن أن تدعم القطاع والعاملين حتى عام 2023:

عدد المقاهي والمطاعم 2,229 موقع:
– عدد المقاهي: 852 مقهى.
– عدد المطاعم: 703 مطعم.

مقدمي الخدمات السياحية 2023:
– شركات السفر والسياحة 2,202 شركة.
– مكاتب السفر والسياحة 130 مكتب.

القوى العاملة في القطاع السياحي
– العاملين في الفنادق والقرى السياحية 37,000 عامل.
– العاملين في المقاهي والمطاعم 9,000 عامل.
– العاملين في الشركات والمكاتب السياحية 8,536 موظف.

أما عن الأماكن التي خُصصت أو يمكن تخصيصها للسياحة في كافة أنحاء البلاد، فهي كالأتي:
– عدد المدن المصنفة للاستثمار السياحي 15 مدينة.
– مواقع مخرطة سياحيًا 95 موقع.
– المساحة المخرطة سياحيا 10,277.5 هكتار.
– مواقع محددة سياحيًا 39 موقع.
– عدد المنتزهات الوطنية 26 منتزه.
– عدد البلديات التي بها منتزهات 16 بلدية.

26 مرشد سياحي

ولم تسقط البلاد المرشدين السياحيين من حساباتها، فالمساحات الشاسعة التي تتميز بها ليبيا بحاجة لدور فعال للمرشدين السياحيين (في حال قررت التوجه للاستثمار في السياحة)، وبلغ عدد المرشدين المسجلين رسميا ضمن (فئة أ) 26 مرشد، فيما بلغ عدد المرشدين السياحيين (فئة ب) 292 مرشد.

ربما تعكس تلك الإحصائيات الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها ليبيا كوجهة سياحية محتملة، مع الحاجة إلى تعزيز البنية التحتية والخدمات والترويج بشكل جيد لجذب المزيد من السياح وتحقيق النمو المستدام في هذا القطاع الحيوي، ففي عام 2023 زار ليبيا قرابة 220,000 شخصاً صُنفوا كسُياح، ولكن هذا الرقم لا يُعتبر قيمة مضافة بالمقارنة مع دول مجاورة تتحدث عن ملايين السياح سنوياً.

ماذا نحتاج؟

تعزيز السياحة ليس بالأمر الصعب، إذ يمكن للحكومة الليبية تطوير البنية التحتية، وتعزيز الأمن والاستقرار السياسي، وتوفير الدعم لتطوير السياحة الصحية والعلاجية، واستكشاف الفرص في الرياضات والأنشطة الخارجية مثل الرياضات المائية والسفاري البرية والتسلق، لتوفير تجارب متنوعة للسياح.

تقول الأستاذة منال التومي إن ليبيا تمتلك موارد طبيعية هائلة ومواقع تاريخية وثقافية غنية، لكنها تواجه تحديات كبيرة في تطوير قطاع السياحة، إذ تعاني البنية التحتية السياحية في ليبيا تعاني من نقص كبير في الفنادق الفاخرة والمنتجعات المتكاملة، مؤكدة أن تحسين البنية التحتية يتطلب استراتيجيات مدروسة لبناء مرافق سياحية عالمية المستوى وتحسين الخدمات الأساسية كالنقل والأمان.

وكما أشارت التومي إلى ضرورة وجود حملات ترويجية دولية فعالة تسلط الضوء على مزايا البلاد الطبيعية والثقافية، والمشاركة في المعارض السياحية العالمية لجذب السياح.

تواصلنا مع وزارة السياحة لسؤالهم حول ما يقومون به لتعزيز القطاع، وإذا ما كانت هناك خطط واضحة التنمية السياحة ودعمها، فأجابنا “أحد الموظفين” :  أن الوزارة تسعى حاليًا إلى استغلال الموارد السياحية بشكل أكبر وأكثر فعالية، مع التوازن بين الحفاظ على البيئة وتطوير البنية التحتية السياحية، أكد أن السلطات الليبية تعمل حاليًا على وضع خطط استراتيجية لجذب السياح الدوليين إلى المناطق الفريدة والمعروفة جيدًا، وكذلك للترويج للوجهات السياحية الجديدة التي تمثل القلب النابض للتراث الثقافي والطبيعي في البلاد.

لكن يرى مصطفى مهنى، أن استراتيجيات التنمية السياحية في ليبيا يجب عليها أيضا الاهتمام بحماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية لضمان استدامة السياحة على المدى الطويل.

“ الصحراء سياحة ايضا “

ومع الحديث عن السياحة، يجب الحديث عن مناطق الجنوب التي تزخر هي الأخرى بأماكن سياحية وثقافية وطبيعية يمكنها أن تعزز قطاع السياحة بشكل كبير.

يقول”  عبدالقادر المهدي”  : تعد الصحاري الليبية التي تمتد عبر أجزاء واسعة من البلاد فرصة لتطوير السياحة الصحراوية، في موازاة السواحل الطويلة لليبيا التي تمتد على مئات الكيلومترات ويمكن أن تمثل محورا أساسيا لاستقطاب السياح،  حيث يمكن للسياح الاستمتاع برحلات السفاري واستكشاف ثقافة البدو المحلية، لكن ذلك يتحقق فقط مع توفير البنية التحتية السياحية المناسبة، بما في ذلك الفنادق والمنتجعات، والخدمات اللوجستية المتكاملة.

ويضيف هشام الفيتوري على ذلك أن الصحاري الواسعة في ليبيا تعد فرصة لتطوير السياحة الصحراوية، مع الاستفادة من الطبيعة الفريدة وتنظيم رحلات استكشافية ممتعة للسياح، لكن ذلك يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والأمن الشامل لضمان نجاح صناعة السياحة في ليبيا، إلى جانب مواجهة التحديات البيئية والنظافة في المناطق السياحية.

ومع ذلك، يرى خبير في مجال السياحة أن مؤشرات بيئة الأعمال في قطاع السياحة، وتحليل العوامل المؤثرة في جذب الاستثمارات هي المحرك لتطوير قطاع السياحة والسفر، بما في ذلك السياسات الحكومية المتبعة، والصيغ القانونية والإجرائية، والاستدامة البيئية، والسلامة والأمن، والصحة والنظافة، وأولويات السياحة والسفر، والبنى التحتية، وتنافسية الأسعار، والاتصالات والمواصلات، الموارد البشرية والثقافية والطبيعية.

“ للسياسة رأي “

ويقول أيضا أن الوضع الأمني والانقسام السياسي، وإجراءات منح التأشيرات، وفرض رسوم دخول فجائية على السياح، وارتفاع أسعار الخدمات، هي عوامل أخرى لتأخر ليبيا في مجال السياحة، ناهيك عن عوامل جغرافيا البلاد، واتساع مساحتها، وانتشار المواقع والمزارات السياحية على مسافات طويلة، وقلة السكان (مقدمي الخدمات)، وعدم قبول المجتمعات المحلية للسياحة وفهم أنماطها وأهميتها كمصدر للدخل، وضعف البنية التحتية لوسائل النقل.

ومع ذلك تمتلك إمكانيات هائلة لتطوير صناعة السياحة، لكنها تحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق النمو المستدام وتعزيز جاذبيتها كوجهة سياحية عالمية، وهو ما يرى كُثر أنه ليس بالأمر الصعب.

شاهد أيضاً

البنك الدولي: نمو بطيء يخيّم على اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

كشف تقرير حديث للبنك الدولي معدلات نمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بعنوان …