نقطة نظام
- بقلم /فوزي البشتي
قليليون هم الكتاب الذين يتحدثون عن زملائهم المبدعين بموضوعية ويقرون بقيمتهم الأدبية كما هي فعلاً ، فأراء “استو رياس” صاحب رواية “السيد الرئيس” الشهيرة بالروائي الكولومبي ابن القارة نفسها “ماركيز” أصبحت معروفة ، وثمة من يتندر بها من الصحفيين والكتاب، فاستورياس يخلع عن “ماركيز” كل قيمة أدبية تجعله جديراً بإمكانته الراهنة.
إن صراعاً أشبه بصراع الديكة غالباً مايحل مكان الحوار الهادى بين الكتّاب ، إنه شيء يتجاوز مايسمونه “التحاسد” أو “عداوة الصنف” ولعله يعود إلى النرجسية الحادة الكامنة في أعماق الكتاب.
وفي أدبنا العربي القديم عرفنا مثل هذا الصراع الذي بلغ أشده في “النفائض” ومدارس الهجاء التي طرحت عدداً كبيراً من محترفي هذا الفن، الذين إن لم يجدوا أحداً يهجونه اتجهو الى أنفسهم ليشهروا بها. كذلك كان الشاعر ابن الرومي وهنا لابد من وقفة مع شاعر عربي، كثر خصومه والمعترضون على أسلوبه التجديدي في الشعر هو “أبوتمام” الذي قال أحد النقاد القدامي عن شعره: “من حسد الشعراء والنقاد وهجاتهم ، وتمنى لو كانت الأمور على غير هذا فهو يقول:
لما بدت للأرض من قريب
تشوقت لويلها السكوب
تشوق المريض للطبيب
وطرب المحب للحبيب
وفرحة الأديب بالأديب
هذه الأبيات كانت في وصف سحابة، لكنها شفت عن تشوق الشاعر لتجاوز التحاسد الذي ساد بين الشعراء في عصره .. تذكرت هذا وسواه بعد قراءة مقال كتبه “ايليا اهونبورغ” عن “همنجواي” والمقال يثني باحتفالية لم تستطع نرجسية “اهرنبورغ” حجبها ، فهو يقول: “إن هيمنجواي” يمتلك موهبة غير قابلة للتقليد، فهو الوحيد بعد “تشيكوف الذي استطاع أن يقول تلك الأشياء الكثيرة عن الإنسان في إطار القصة “ويقول عن رواية “لمن تدق الأجراس” أنها رواية تفيض مرارة ورجولة، ولقد بلغت حماسة “اهونبورغ” لزميله الروائي حداً جعله يقول عنه بعد موته : “إنه قرّب بين شعوب لم تكن لتتقارب لولاه”.
بهذه العبارة الأخيرة يضع “اهرنبورغ” أصابعه على الجدوى الحقيقية للأدب، باعتباره تعبيراً عن الوضع الإنساني الذي يتجاوز الحدود والشعارات واعداً بتحقيق أهم مايصبو إليه الناس، بتحقيق إنسانيتهم التي تتجوهر أكثر ما تتجوهر في الأدب الحقيقي.