الجنـــدي الطيـب شفيــك
مفتاح قناو
يعتبر الكاتب الساخر ياروسلاف هاشيك احد أهم الكتاب التشيك الذين ظهروا مع بداية القرن العشرين، وأغزرهم إنتاجاً، فقد كتب مئات القصص القصيرة وعدد من الروايات والمسرحيات خلال سنوات عمره القصير، فقد مات ولم يتجاوز عمره الأربعين عاما.
كان هاشيك في بداية حياته فوضوي النزعة ، رأى العالم من منظوره الخاص ، حيث لم يقتنع بالقوالب الجاهزة التي يقدمها الآخرون، يتعاطى الأدب بشكل مختلف فقد انقلب على الرمزية التي كانت سائدة في زمنه، وأراد تقريب الأدب من الحياة ، فكانت نظرته الساخرة من كل مجريات الحياة هي المعين الذي لا ينضب لكتاباته، وقد كان من الكُتاب الذين يمكن أن يطلق عليهم بأنهم لم يكتبوا فقط الأدب ولكنهم عاشوا هذا الأدب واقعاً حياتياً، فبعد تخرجه من المدرسة التجارية العليا والتحاقه بالعمل الوظيفي، شعر هاشيك بالاختناق من الوظيفة فتركها وانطلق يجوب شرق القارة الأوروبية، حيث التحق بالثوار المقدونيين وعاش مع الفلاحين حياتهم البسيطة في الأحراش وشعاب الجبال.
وبعد غياب سنوات عديدة عاد هاشيك إلى براغ حيث عاش فيها حياة بوهيمية، كان يتسكع في شوارعها ليتشاجر مع رجال الشرطة ويسخر منهم، يشعر بأن النظام المفروض هو دكتاتورية مقيتة، يحاول بكتاباته تمزيق الأقنعة أو إزالتها عن الوجوه.
قيام الحرب العالمية الأولى جعل من الكاتب ياروسلاف هاشيك شخصا آخر فقد تحول من بوهيمي ساخر من كل شيء، إلى شخص جاد، وصحفي قدير تطوع للحرب دفاعاً عن بلده فأصبح مراسلاً صحفياً من جبهة القتال، وفي ذات الوقت مقاتلاً عنيداً وداعية للمقاومة، لقد عاش بين الجنود البسطاء وقام بتنظيم المقاومة وقيادتها في العديد من المواقع الحربية .
بعد انتهاء الحرب العظمى، واصل ياروسلاف هاشيك كتاباته الإبداعية، فكتب روايته الشهيرة الجندي الطيب شفيك تعرض فيها بسخرية لاذعة للحوادث والأقدار التي مرت خلال الحرب العظمى بجندي طيب القلب عفوي اللسان يدعى شفيك.
كان ( شفيك ) بطل هاشيك إنساناً بسيطا يمقت الحرب والطغيان وكل أنواع الاستبداد، يبوح بكل عفوية وأحيانا بسذاجة كبيرة عن مكنونات نفسه.
شفيك هو رجل الشارع العادي الذي تجده في كل شعوب العالم، يفهم ويقول الحقيقة كما هي دون بهرجة أو تلميع أو دخول في حسابات من أي نوع، لقد أسقطت شخصية شفيك كل الأوهام والأساطير بضحكاتها الهازئة، وشاركت في رفع درجة الوعي عند شعبه بفضل سخريته اللاذعة من الأحداث.
لقد أصبح شفيك بعد موت هاشيك عام 1923م رمزاً للنضال ضد الفاشية في أوروبا الوسطى والشرقية ورمزاً لمعاداة الوهم والزيف والتصورات المتحجرة .
يرى النقاد أنه لم يكن في تصور هاشيك وهو يكتب رواية ( الجندي الطيب شفيك ) ان يصبح بطل القصة مثلا يحتذى فهو مجرد إنسان صغير فوضوي النزعة، وقد استعمله هاشيك كأداة ينفذ من خلالها إلى أعماق الناس لسبر أغوار الحقيقة وتقديمها بكل تجرد .
أما إذا أراد البعض أن يجعل منه مثلاً يحتذى فلن يكون ( شفيك ) منادياً بالمثل العليا بشكلها التقليدي، ولكنه سيكون نموذجاً للإنسان القادر على النظر للحقيقة وجهاً لوجه، وسيمثل خط الدفاع الطبيعي للإنسان في مواجهة الطغيان والتسلط والفساد.