منصة الصباح

لماذا تعيد سياساتنا المصرفية المواطن لصندوقه التقليدي؟

أحلام محمد الكميشي

 

بذلت السلطات جهودا كبيرة لإقناع المواطن الليبي خلال الستينيات والسبعينيات بإخراج المال من صندوقه التقليدي الذي يجسد ثقافة قرون منذ ظهور النقود، وايداعه في المصارف واقناع ارباب العمل أيضًا بإيداع مرتبات وأجور العاملين معهم كي تقود المصارف عمليات التنمية والاستثمار في البلاد.

واليوم وبعد أكثر من نصف قرن تعيد سياساتنا المصرفية المواطن لنفض الغبار عن صندوقه الأثري، بعد أن عانى من احتجاز المصرف لأمواله ومنعها عنه وإنقاصها بالعمولات دونما أي مقابل أو فائدة تعود عليه، بل صار عليه تمويل أفكارها كالقرض الحسن دونما استفادة، والبطاقات المتنوعة دونما ضامن يمنع المنظومة من التوقف أو مضاعفة عملية الخصم عند استخدامها في المشتريات وما يتطلبه هذا من رحلات ذهاب وإياب للمصرف لإعادة المبلغ المخصوم خطأ ودونما أي تعويض.

الأصل في فكرة تحويل مرتبات الموظفين على المصارف فضلا عن أمور المحاسبة أن يخدم المصرف اقتصاد البلاد ويوفر النقد لمن يطلبه خاصة في بلاد ماتزال أغلب أمورها تتطلب الدفع النقدي، فأين التنمية؟ وأين الاستثمار؟ واين فلوسنا؟

من غير المعقول أن تعجز المصارف عن تقديم خدمات ترضي المواطن من حيث الحجم والسرعة والجودة وتتمكن دكاكين لا تتجاوز مساحة أكثرها (ميتر في ميترو) من تقديمها وفوقها حبة مسك، أو أن يصدر المصرف المركزي قررا بسحب فئة من العملة الورقية مسببًا الازدحام لإيداعها في حين يستمر في صرفها للمواطن، واليوم تعرضها دكاكين الصرافة دون عمولة وبسقف يبلغ 10 أَضعاف سقف المصارف، وتحيل الطوابير أمام المصارف كل عيد إلى أزمة، ومن غير المفهوم كيف يفرض المصرف ضريبة على سعر الصرف بحجة العجز في الميزانية ثم يمول نفقات الحج على حساب المجتمع! بل ويضرب عرض الحائط بأحكام القضاء!!

إن عدم الثقة الذي كرسته المواقف المتتابعة قد يحسم الأمر لصالح الصندوق التقليدي في مواجهة المصارف ويعود بالمواطن بعد تجربة عقود من الصبر لخيار واحد وهو سحب كل نقوده والتعامل بها خارج المصرف ولو بطريقة (الحرق) في مكاتب الصرافة التي تستقطب المواطن وتخرج لسانها لمصرفه المركزي ووزاراته من مالية واقتصاد وتخطيط وأجهزته الرقابية والمحاسبية والضبطية.

لماذا يا مصرفنا المركزي تتراجع مفسحا المجال للدكاكين التي لا تستهلك ملايين من الميزانية العامة كي تكون أكثر كفاءة منك وتستقطب طوابير المواطنين للحصول على النقود وتقوم بتنفيذ التحويلات المالية محليا ودوليا بديلا عنك؟ وتتحكم في أسعار الصرف؟ لماذا تحصر دورك في قفة لاعتمادات الواسطة واحتجاز المرتبات والتحكم في صرفها لمالكيها؟ وتتراجع بلادنا ماليا واقتصاديا إلى كهوف العصر الحجري حيث لا يتعدى التفكير استهلاك ما تجود به الطبيعة من فرائس وثروات دونما انتاج ودونما عوائد؟

فهمنا وسلّمنا بأن الصندوق التقليدي قد عاد لتحدي السياسات المصرفية في بلادنا ويكاد يهزمها بالضربة القاضية، لكن عيد الأضحى لهذا العام قد بالغ في طرح الأسئلة من نوع هل تواجه مصارفنا صندوق أجدادنا فقط؟ أم تواجه أيضًا دكاكين الصرافة؟ أم أن هذه الدكاكين هي مقاول المصرف من الباطن؟

شاهد أيضاً

مشاهد ساخرة من حياتنا المصرفية

أحلام الكميشي ليست فقط طوابير أصحاب الحسابات الجارية أمامها ما يترجم الهوة العميقة بين المصرف …