منصة الصباح

“سمع بالحامض…….”

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

في مطار معيتقية (الدولي) بطرابلس، اقتلعوا الأرضية الاسمنتية القذرة، ومكانها وضعوا أرضية رخامية لامعة. بدل السقف الحديدي الصديء، جاءوا بسقف جديد، تزيّنه مصابيح تخطف أضواؤها الأبصار. ومن الأخير، خلعوا ( البراكة) القديمة، ومكانها وضعوا قصراً منيفاً. وصار لدينا مطار بحقّ وحقيق.

المسؤولون على عملية التجديد، مشكورون على جهودهم، وما بذلوه من تفنن في خدمة المسافرين وراحتهم. لكنّهم، سامحهم الله، في زحمة انشغالهم بالتجديد، نسوا شيئاً واحداً مهماً. وهو أن تجديد المطارات لا يقتصر على الأسقف والأرضيات والمراحيض وصالات الانتظار، بل يشمل تغيير العقليات التي تعمل بالمطار وتشرف على ادارته.

لأن الابقاء على نفس العناصر القديمة، والوجوه القديمة، والعقليات القديمة، يعني أنّهم لم يفعلوا شيئاً.

مازالت النظرة المريبة للكتب ولحامليها من المسافرين على حالها من العدائية. وكنت خطأ أظنُّ أن الرقابة على الكتب تقتصر على الكتب التي يحضرها مسافرون من الخارج إلى البلاد.

وتبيّن لي أن المسألة اكثر تعقيداً مما كنت أظنّ، وان الرقابة على الكتب تشمل كذلك الكتب التي يحملها مسافرون في طريقهم إلى مغادرة البلاد!

يوم الأحد الماضي، في طريقي إلى تونس، حملت معي مجموعة كتب اشتريتها من معرض النيابة العامة الدولي للكتاب، المنعقد في طرابلس مؤخراً.

وضعت الحقيبة والكتب عبر جهاز التفتيش الالكتروني في المدخل. فمرت الحقيبة، ولم تمر الكتب! التقط الموظف المختص الكيس البلاستيكي الشفاف بمحتوياته، وسأل عن صاحبه، فتقدمت نحوه. قلتُ له إنني اقتنيت الحمولة من معرض الكتاب في طرابلس.

رد قائلاً بأن ذلك غير مهم، ومن الضروري أن يتأكد من الكتب بنفسه. أخرجها من الكيس، واحدا تلو آخر. نظر في العناوين، وفي الأغلفة الخلفية، فتح بعضها وتصفح عددأ من صفحاته، وتوقف كثيراً أمام رواية الأستاذ عبد الرحمن شلقم الجديدة. يبدو أن اسم الاستاذ عبد الرحمن شلقم كان السبب في ذلك. لم أنبس بكلمة.

وحرصت على آداء دور المراقب. تردد قليلاً، ثم وضع الكتب في الكيس البلاستيكي الشفاف، وردها إليّ.

المسألة لم تتوقف عند هذا الحد. أمام (كاونتر) شركة الأجنحة لتأكيد سفري ووزن أمتعتي، حدث مالم يكن في حسباني. لدى عملية وزن الحقيبة، تبيّن لي أن بإمكاني وضع كيس الكتب بداخلها، لأن وزن أمتعتي الشخصية كان خفيفاً. فتحت الحقيبة ووضعت كيس الكتب وأغلقتها، ثم طلبت من الموظف أن يكمل اجراءاته. الموظف كان شاباً مؤدباً. قال لي بأن الحقيبة، بسبب حمولتها من الكتب، قد تتعرض للتوقيف في جهاز التفتيش الالكتروني الآخر، وبالتالي قد أحرم من اصطحابها معي. والحل؟ سألته متعجّباً. رد قائلاً بضرورة الانتظار قليلاً إلى حين الانتهاء من عملية مرور الحقائب في الجهاز بسلام.

انتظرت قرابة ربع ساعة، ثم تقدمت منه ثانية، وسألته إن كانت حقيبتي نجت من التوقيف. التفت إلى زميل له، وطلب منه التأكد. قام الزميل بمهاتفة شخص آخر، وأكد على عدم توقيف أي حقيبة.

وأنا أغادر (الكاونتر)، قلت للموظف الشاب، إن الكتب مشتراة من معرض الكتب في طرابلس، والذي اشرفت عليه النيابة العامة. فابتسم ابتسامة المغلوب على أمره. وتساؤلي لم يلق جواباً.

المتعارف عليه أن الرقابة تحرص على تفتيش الكتب التي تدخل البلاد. لكني لا أعرف السبب وراء رقابة على كتب مشتراة من البلاد، أي أنّها حظيت بموافقة الجهات الرقابية القانونية قبل دخولها وتداولها، وحصلت على الأذن منها بالتداول.

تذكرت مثلاً شعبياً ليبياً يقول:” سمع بالحامض داره إيقطّع المصارين.”

شاهد أيضاً

وحدة دعم المرأة تشارك في إطلاق الأكاديمية الدولية للمرأة الرائدة

شاركت وحدة دعم المرأة بالمفوضية العليا للانتخابات في إطلاق الأكاديمية الدولية للمرأة الرائدة، وذلك ضمن …