منصة الصباح

ســــــؤال ..؟! النمطية عند الممثل

 

كتب : محمد القذافي

في معجم المعاني يعرف النمط بأنه: «اسم منسوب إلى نَمَط»، والصورة النمطيّة هي «ما يعدّ تمثيلاً أو تطبيقًا لصورة أو نوع تقليديّ على طريقةٍ واحدة، لا تغييرَ ولا جديدَ ولا إبداع فيه إجراءات نمطيَّة، صفة لشخصٍ نظريّ غير تطبيقيّ».

هذا في معجم المعاني، أما في الفن فهو فعل متكرر بالشكل نفسه والأداء نفسه لشخص واحد، قد يكون نجما معروفا في السينما أو المسرح أو الدراما، ما يجعل فعله معروفا سلفا عند المشاهد، ويعرفه الجمهور بشكل ولازمة لا تفارقه في كل الشخصيات التي يقدمها في أعماله، فهل تكون هذه نمطية مقصودة؟ وهل تعد عيبا لنقص فيه، أم هي مجرد تراكم يضاف لتجربة الفنان؟ هذا ما أردنا معرفته من خلال آراء بعض الفنانين والكتاب والنقاد المتخصصين.

ترى الناقدة الأردنية رانيا عقلة حداد أن الفنان يجب أن يسعى دائماً لسبر كُنه الشخصيات المتنوعة التي يلعبها، والتي لكل منها عالمها الخاص، الذي لا يتوافق مع فكرة النمطية.

كذلك يرى الكاتب والباحث العراقي محمد سعيد الأمجد أن النمطية من الممكن أن تكون مجرد تراكم يضاف لتجربة الفنان، لكنـها لا تعـد تراكـما يُصـاغ في شكل معرفي أو خبرة فنية في مجـال الإبـداع المسـرحي أو السـينمائي.

وتأتي الشاعرة والكاتبة الليبية كريمة الشماخي لتصف أسلوب التنميط الأدائي بالكارثة التي لا تقل عن البراكين المتفجرة هنا وهناك، فالنمطية هي قتل الإبداع برتابة قد تكون مملة، فالإبداع الفني للممثل لا يقتصر على أداء دور مرسوم له سلفاً، أو لتقمص شخصية كتبها الآخر، وإنما يتكون بالابتكار الجديد دائما حين يضفي لمساته الشخصية على مجمل الأدوار، فالتراكم الكمي لا يضيف أي شيء للفنان سوى عبء الكلمات، فمثلا المخرج الراحل شادي عبد السلام مخرج فيلم «المومياء» ظل في تاريخ السينما علامة بارزة، على الرغم من وحدانية إبداعه الفني، وكذلك شهدت فترة الجاهلية شعراء القصيدة الواحدة، وقد خلدوا بسبب جمال هذه القصيدة وتفردها.

فالسلوك النمطي ليس عيباً في حد ذاته، وإنما مؤشر لوجود خلل ليس في الممثل وحده، وإنما في الجهاز الفني والإعلامي والسينمائي والتلفزيوني، إنها حالة مشتركة في هذه النمطية وأن مسؤولية الفنان فيها قليلة جداً. ويرى الكاتب والناقد الليبي منصور بوشناف أن النمطية تعني ثبات وجمود الأشكال والأساليب وترسخها كشكل نهائي لا يتوقف عن التكرار، وتحولها من أداة لتنظيم سير الحياة والإبداع إلى زنازين وقيود تكبل تطور الحياة والعملية الإبداعية في الحياة والتفكير.

لذا عانت الآداب والفنون بمختلف أشكالها «النمطية « والجمود نتيجة هذه النمطية، وظلت تكرر نفسها وظلت في حاجة دائمة لمبدعين متمردين يخرجون عن النمطية السائدة إلى آفاق جديدة.

إن تجربة أبوتمام في الشعر ونازك الملائكة والسياب ونزار قباني ثم محمود درويش وتجارب طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والطيب صالح وغيرهم من حملة مشاعل التنوير والتجديد ظلت المنقذ الأهم للخروج بنا من موات وجمود النمطية إلى آفاق أرحب وأحدث .

اما الناقد اللبناني جمال فياض فيقول النمطية> تعد عيبا بالفنان ونوعا من الاستسهال، إضافة إلى عيب في المخرج الذي لا يطالب الفنان برسم شخصية مميزه وحضور مختلف.

وهذا العيب ينسحب على أغلب الفنانين العرب. وعندما يحاول الفنان أن يؤدي شخصية ما بشكل مختلف يصبح حديث الصحافة والناس. هذا إذا أجادها.

لننظر إلى الممثلات المصريات مثلا .. فكلهن ثابتات على شكل واحد ونمط واحد، هي إلهام شاهين بالصوت والحضور نفسيهما في كل أفلامها، هي فاتن حمامة في كل أفلامها، هو نور الشريف في كل أفلامه ومسلسلاته، بينما نلاحظ أن صلاح عبد الله شخصية تتنوع باستمرار، كذلك خالد الصاوي، الذي دائما يعيش الشخصية بحضور مختلف، أما خالد صالح فهو شخصية تتغيّر باستمرار، هنا تظهر الموهبه الحقيقية وهذا سرّ النجاح.

إن مجرد تغيير بسيط في الأداء يوصل الفنان إلى نجاح كبير، وهذا التغيير يكون إما من الفنان وموهبته وسعيه للتغيير، أو المخرج الذي يستنبط من نجمه أمرا يميّزه عن باقي أدواره مع الآخرين.

فالنمطية عيب قاتل ومحبط، وليست أبدا تراكم خبرات حياتية وفنية. ويضيف الناقد العراقي جبار وناس أن النمطية تعد من العيوب التي تلاحق الممثل حينما يستكين إلى تراكم خبرته في بعض الأحيان، وهذا يشكل حالة سلبية في طريقة الأداء لديه، فالتمثيل هو حالة إبداعية يصل إليها الممثل حينما تتجلى عنده ممكنات الإبداع المحفزة له ومنها ليونة الجسد وتواشج الصوت، مع القدرة المستحدثة والناتجة باشتغاله مع موجودات العرض المسرحي والمتواجدة بفعل التشكيل السينوغرافي الصحيح على خشبة المسرح.

وقد تصبح النمطية أداة نجاح مضمونة للممثل، كما يرى المخرج المسرحي والأكاديمي الليبي عمر هندر، فالنمطية عند الممثل هي تقديم العديد من الشخصيات الدرامية بأسلوب معروف وثابت وليس فيه الكثير من التجديد، حيث قد يستغل الممثل مميزات معينة لديه ويقوم بإعادة استخدامها مع العديد من الأدوار والشخصيات الأخرى، رغم اختلاف القصص والمواقف.

وأعتقد إن الابتعاد عن التجديد ليس في صالح الممثل مهما طال الزمن، ذلك أن المشاهد سرعان ما سيكتشف ذلك ويمله، علما بأن العديد من الممثلين الكبار، خاصة في مجال الكوميديا، هم ممثلون نمطيون في حقيقة الأمر رغم نجاحهم. ولكن ولأن الفن والإبداع مقترنان بالتجديد دائما أعتقد أن النمطية عيب، أكثر منها ميزة مهما تفوق الممثل من خلالها.

كما يرى المخرج الليبي أحمد ابراهيم هي عدم تمكن من دراسة الشخصية وتحليلها لاكتشاف ابعادها المادية والاجتماعية والنفسية وبالتالي عدم القدرة على تقمصها وتجسيدها .. وسيكون هو في كل الشخصيات .. إنما التمثيل موازنة بين الأنا كممثل والآخر (الشخصية ) الحقيقة هي مشكل

شاهد أيضاً

*أولويات الإصلاح الصحي*

د.علي المبروك أبوقرين   حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما …