هل الطعام هو وقود لأجسامنا فقط، يقول عالم الأنثروبولوجيا ستيفين لي: لا، بل هو جزء من تراثنا الثقافي والتطور البشري.
يستطرد “معظم الناس يتفق على خطأ أسلوب حياتنا، والاختلاف الشديد بين العلماء والعامة بشأن ما علينا فعله لنسترد عافيتنا؟”.
في ترجمة كتاب “100 مليون عام من الطعام: ما أكله أسلافنا وأهميته في حياتنا”، الذي نقله إلى العربية موسى جعفر، ومراجعة سامر حميد، يقدم ستيفين لي خلاصة سنوات من البحث والتحدث مع منتجي الطعام، وخبراء الصحة. إذ أن هدفه الأول من الكتاب هو شرح ما علينا تناوله، وكيف علينا العيش، بمزج آخر الدراسات العلمية في التغذية البشرية والطب مع جرعة من الأحياء التطورية ومراجعة حياة الناس وطعامهم سابقا وحاليا.
إضافة إلى استعراض الكثير من البيانات العلمية فيما يخص الحميات وأساليب العيش، مع أن كل فرد تحدده جيناته ومنطقة سكنه إلا أن ثمة حقائق غذائية وصحية عامة تنطبق على الجميع.
يشير أستاذ علم الإنسان الأحيائي ستيفين لي، إلى أن المسألة التي يحاول الإشارة إليها في هذا الكتاب هي أن الزيادة الحديثة في المشكلات الصحية سببها التغيير الذي أحدثناه على عادات أسلافنا من حياة وبيئة، ونظام غذائي. لذلك يقدم مقترحات عملية لمحاكاة طريقة عاداتهم وإدخالها في الحياة اليومية كنوع من الحماية من الأمراض المزمنة مثل البدانة، والسكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وسرطان الثدي، وحساسيات الطعام، وحَب الشباب، وقصر النظر.
ويضيف: كما يتم توظيف مفاهيم الصداقة في سيكولوجية الطعام، توظف مبادئ الطعام الثقافية في السياسة العرقية، وتستخدم للأقصاء والتهميش.
علاقة صيفية منعشة
شهدت مطابخ الثقافات المختلفة قرون من التطور، ومعالجة بدقة لتلائم محيطنا وتركيبنا الأحيائي. لكنها، الآن انحرفت عن حميات الأسلاف، واعتمدت بدلا من ذلك الطعام المنتج تجارياً بوفرة، والذي غالبا ما تدخل المواد الكيميائية في تصنيعه.
إن علاقتنا بتناول الثمار أشبه بعلاقة غرامية صيفية منعشة، وعلى العكس تماما من النشويات التي تصيبنا بانتفاخات البطن وعسر الهضم، علاوة على ذلك لم تنتشر الأمراض المزمنة في الدول التي قوام حميتها جوز الهند، إلا بعد أن استبدال بالطعام وأسلوب الحياة الغربي.
وفي هذا الصدد، يتحدث ستيفين لي عن الفلفل الحراق الذي هو من الثمار الأساسية في الطعام الكيرالي التقليدي، في البداية ارتاب منه خبراء التغذية الغربيون. وبعبارة أخرى، لربما لا نأكل الطعام المتبل الحراق للاستفادة من خصائصه المضادة للبكتريا، أو لأنه لذيذ، بل لأنه ينتج شعورا مضادا باللذذة بعد المقت.
قد يبدو من المنطقي أن الطعام الأكثر تتبيلا ونكهة سيجعلنا أسمن، ولكن الحقيقة أن الفلفل الحراق لربما يساهم في إنقاص الوزن برفع درجة حرارة الجسم وحرق الدهون.
ويؤمن ستيفين لي، إن أكل الثمار كما الحشرات جزءا مكملا لتاريخنا التطوري، ومازالت جزءا مهما من الطعام التقليدي، لأن الحشرات كانت مصدر سعرات حرارية كبير للمجتمعات البشرية. ويستغرب كيف أن الكتب التي تدعو إلى اتباع حمية الأسلاف لا تهتم بذكر الحشرات، وكيف أن الناس في المجتمعات الصناعية اليوم تنفر من أكل الحشرات.
أن وله ستيفين لي بالمطابخ هو أنه ترعرع في بيئة تتناول طعام هو خليط من الطعام الكندي والفيتنامي مثل البطاط مع الرز والزبدة مع صلصة السمك المخمرة.
وأن أجسامنا مصممة لتزدهر بتناول مجموعة من الحميات التقليدية التي اختبرها الزمن. إذ أن العامل الأساسي وراء الأمراض المزمنة ما هو إلا اختلال أسلوب حياتنا بدنيا، ولا سيما غياب الحركة. لذلك يقول: “تناول طعاما جيدا، واستمر في الحركة، ودع جسمك يتكفل بالباقي”.
وختاما، الكتاب رحلة شيقة إلى أماكن مثل فيتنام، وكينيا، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، سنتعرف على أناس يزرعون الطعام ويطبخونه ويأكلونه بالطرائق التقليدية والحديثة، سعيا منها لحمية صحية ومستدامة، ويقدم ستيفين لي حججا واضحة ودامغة مبنية على البحث العلمي، تؤكد أن حميات أسلافنا هي خط الدفاع الأول والأفضل لحماية صحتنـا وتوفير حمية متزنة، على خلاف، حميات الأطعمة السريعة، مثل حمية باليو أو الحمية النباتية، التي تضر بطبيعتنا الأحيائية وتتجاهل الطبيعة المعقدة لأجسامنا.