منصة الصباح

زوبعةٌ في فنجان

 بقلم : د. الصديق نصر

 تنويه..

“تنشرُ منصة الصباح، هذا المقال لعضو مجمع اللغة العربية بليبيا الدكتور “الصديق نصر”، رداً على ما نُشرَ بالمنصة، حول رسالة الماجستير الخاصة بعضو المجمع “د.فوزية بريون

“، والتي صدرت في كتاب بعنوان ” القصة القصيرة في ليبيا : نشأتها وتطورها“..

د. الصديق نصر

 

الرَّد المُرسل من “د.الصديق نصر”:-

اطّلعنا على ما أثير من لغطٍ حول كتاب الدكتورة “فوزية بريون” الذي صدر مؤخراً عن دار الوليد بعنوان (القصة القصيرة في ليبيا : نشأتها وتطورها)، يزعم فيه أصحابه أنّ المؤلّفة انتحلت ما جاء في كتابها، من دراسةٍ لباحثٍ مصري هو الدكتور “سيد حامد النسّاج”، بعنوان (تطور فن القصة القصيرة في مصر)..

وقد أثار هذا الموضوع الأستاذ “يونس الفنَّادي” في إحدى الصحف الالكترونية، اعتماداً على ما كتبه المؤلف المصري، وأخشى أن يكون الأستاذ “يونس والدكتور “النسّاج” قد “نفخا في غير ذي ضرم”، وشايعه في ذلك نفرٌ ممن تسوروا محراب الثقافة، ورموا الكاتبة عن قوسٍ واحدة ، فحقّ فيهم قول الفرزدق :

رَمى النّاسُ عن قَوْسٍ تميماً فما أرَى * * مُعاداةَ مَنْ عادَى تَميماً تَضِيرُها..

حتى إنّ أحدهم أبعد النُّجعة، فقال: “التحكيم في مثل هذه القضية واضحٌ جداً ، ولا يحتاج إلى شهود وأدلة.. فالنقول واضحة جداً ومتشابهة، كأنها وقوع الحافر على الحافر.. وهذا النقل (كذا ) بعيدٌ عن محاكاة أساليب الكبار، كما وقع لكثير من الأدباء من تأثرهم بأساليب غيرهم في الصياغة والتعبير بالألفاظ، ومجاراتهم في المعاني ..”، ثم لا يلبث صاحبنا هذا أن يكرّ على أسّ قوله بالهدم، عتدما يقول بُعيد ذلك : “وقد وقع للباحثة نقولات صرّح بها المنقول عنه، فهو أدرى بما نُقِل عنه، وإن كانت مجرد عبارات أو جمل لا تمثل شيئاً في صلب البحث”.. فها أنت ذا -وفقك الله- ترى كيف أنّ آخرَ الكلام يبطل أوله، وتلك عادة ألفناها في كثيرين ممن لم يعجم عودهم في البحث بعدُ، فتراهم يلقون بالكلام على عواهنه، وقد ركبوا متن العمياء، فتطيش سهامهم..

وترى الواحد منهم لا يريش ولا يبري..

د.فوزية بريون

 

وليس ثمة ما هو أشدّ على النفس من أن ينبري للنقد ويتصدى للتمحيص مَن لا أدوات له، ولا معرفة، وقصاراه معلومات عجلى يقتنصها من هنا وهناك، وهو في أحسن الأحوال، ربما أصاب شيئاً مما وقع عليه في كتاب، أو التمسه في صحيفة سيّارة لم تُخصّص للنقد أصلاً، أو التقطه من الأفواه مباشرةً، وكلّ ذلك لا يُعتدّ به، بل لا يُلتفتُ إليه.. والأنكى من كلّ ذلك أن يحسب المرء نفسه من ذوي الأهلية في فن من الفنون، لمجرد كتابة مقالة في منبرٍ يتزاحم للكتابة فيه العامة والدهماء، فيحسب أنه صار من أرباب العلم وأصحاب البيان، أو أنه بمجرد إثارة زوبعة، يحسب أنه أثار عاصفة، وهي في الواقع لا تعدو أن تكون عاصفةً في فنجان..

والموضوع الذي أثاره السيد “يونس الفنَّادي”، لا يستحق اهتماما لعدم توفر شروط النظر فيه، لأنه دعوى فارغة، وكل دعوى موضع جدلٍ لا تقوم على دليل مردودة..

وقديما قالوا:

والدعاوى إن لم يقيموا عليها * * بيّناتٍ أصحابُها أدعياءُ..

ويبدو أنّ موضوع الانتحال يكتنفه بعض الغموض، لا عندنا نحن معاشر العرب ممن تثقفوا بالثقافة العربية، بل عند الأوروبيين أيضاً، فلا تجد تعريفاً محدداً للانتحال في جامعاتهم ومعاهدهم..

• في جامعة ستانفورد Stanford يُعرّف الانتحال Plagiarism بأنه :

“استخدام مادة علمية، دون إعطاء الفضل المعقول والمناسب لمؤلفها، أو مصدرها، أو الاعتراف بعمل أصلي لشخص آخر، سواء كان هذا العمل يتكون من شيفرات codes أو صيغ Formulas، أو معادلات Equations ، أو أفكار Thoughta & Ideas أو لغة Language، أو بحث Research، أو استراتيجيات Strategies أو كتابة Writing، أو شكل آخر Another form..

• في جامعة ييل Yale هو “… استخدام عمل أو كلمات أو أفكار شخص آخر دون الإسناد”، والذي يتضمن “… استخدام لغة المصدر دون اقتباس، واستخدام معلومات من مصدر دون الإسناد، وإعادة صياغة المصدر في شكل قريب جدًا من الأصل”..

• في جامعة برنستون Princeton هو : ” الاستخدام “المتعمد” لـ “لغة شخص آخر أو أفكاره أو مواد أصلية أخرى (غير معروفة) دون الاعتراف بمصدرها”..

• في كلية أكسفورد Oxford بجامعة إيموري Emory University بولاية جورجيا الأميركية، هو ” استخدام “أفكار أو عبارات كاتب دون إعطاء الفضل المستحق”..

• في جامعة براون بولاية رود ايلاند Rhode Island، هو “…الاستيلاء على أفكار أو كلمات شخص آخر (منطوقة أو مكتوبة) دون إسناد تلك الكلمات أو الأفكار إلى مصدرها الحقيقي”..

• وفي الأكاديمية البحرية الأمريكية The U.S. Naval Academy، هو “استخدام كلمات أو معلومات أو رؤى أو أفكار شخص آخر دون إسناد الفضل إلى ذلك الشخص من خلال الاستشهاد المناسب”..

• وفي قاموس أكسفورد : الانتحال هو أن تقوم بنسخ أفكار الآخرين، أو أقوالهم، أو أعمالهم، وتزعم أنها خاصتك”..

والكلمة والكلمات الواردة في التعريفات لا يراد بها الألفاظ Vocabulary، وإنما يراد بها الخطاب، والرسالة، والقول، والكلام، والمثل، والوعد..

والانتحال في اصطلاح أهل الأدب “هو أن يأخذ الشاعر كلام غيره، بعد علمه بنسبته له، بلفظه كله ومن غير تغيير لنظمه، أو أن يأخذ المعنى، وتُبدّل الكلماتُ كلُّها أو بعضُها بما يرادفها”..

والانتحال لغةً التلبّس بالصفة، كمن ينتحل شخصيةً غير شخصيته..

والأصل في الانتحال أنه لا يجري إلا في الشعر، وقد اشتغل ببيانه والتعرف عليه والكشف عن ماهيته عدد كبير من قدامى النقاد العرب، وعلى رأسهم “ابن سلام الجمحي” في كتابه (طبقات الشعراء)..

وإذا تبيّن هذا، فهل ما قامت به الباحثة من الانتحال؟

إن صاحب الدعوى الأوّل هو “د.سيد حامد النسّاج”، وهو الذي يعنينا هنا ولا يعنينا غيره، لأنهم مجرد نقلة سلّموا بما سمعوا، وآفة الأخبار رواتها.. والأصل أن يتحقق المرء مما يسمع ومما يقرأ حتى لا يقع في ما يكره، ولات ساعة مندم..

• هذه الدعوى الجريئة لم تتجاوز ست مسائل، وردت جميعها في مقدمة الباحثة.. يزعم “د . النساج” أنّ الباحثة انتحلتها من مقدمة كتابه المذكور..

• لم يورد صاحب الدعوى أي مسألة في جوهر الموضوع، والكتاب يقع في أحد عشر فصلاً تستغرق نحو ثلاثمائة صفحة..

• لا بأس أن ننقل هنا النصوص، أو بالأحرى الألفاظ والعبارات التي يزعم “د . النسّاج” أن الكاتبة انتحلتها منه:

• المسألة الأولى :

يقول د . حامد النسّاج :

” انعطفت نفسي نحو القصة منذ حداثة عهدي بالقراءة ”

تقول د . فوزية بريون :

“وقد انعطفت نفسي نحو دراسة هذا الموضوع منذ بداية عهدي بالعمل الصحفي”..

أين هو الانتحال في هذه الجملة؟ وهل هذه الجملة من البيان والعبقرية حتى يسارع المرء إلى انتحالها ؟

وهل استخدام فعل من الأفعال، مثل (انعطف) يكون مظنة الانتحال؟ فالأفعال منفردةً والكلمات لا يجري فيها الانتحال لأنها ليست ملكاً للمنشئين والكاتبين، وصاحبها الأصيل هو لسان العرب الذي استودعها في معاجمه..

وعلى هذا الغرار يصح أن نقول، وهو قول فاسد لا ريب، أنّ “د . حامد النساج” سطا على الفعل ( انعطف ) ومعناه ( مال إلى ) من قول المبرّد في مقدمة كتابه ( الكامل ) :

” وقد يضطر الشاعر المفلق ، والخطيب المصقع ، والكاتب البليغ ، فيقع في كلام أحدهم المعنى المستغلق، واللفظ المستكره، فإن انعطفت عليه جنبتا الكلام غطتا على عواره، وسترتا من شينه”..

أو أن “ابن الحاجب” سطا على ذلك أيضاً في أماليه عندما قال : ” ثم انعطفتُ إلى بيان ذكر الفاعل”..

إنّ الألفاظ ملك شائع للجميع، وهي مبثوثة في تضاعيف المعاجم يأخذ منها كلُّ مَن شاء ما شاء، وأنى شاء.. ولا يجري الانتحال ولا السرقة على الألفاظ، ولا على التراكيب التي تُعدّ من مألوف القول، ولا تبلغ مبلغ الأسلوب المميز الذي يوسم به صاحبه حتى يصير علامةً عليه، ملازماً له لا يُعرف إلا به.. وحتى هذه الأساليب ليست وقفاً ولا حكراً على منشئيها ابتداءً، فقد يستحسن المرء عبارة أو جملة يقتنصها من هنا أو هناك فيودعها في كلامه، بل ربما يحسن توظيفها أكثر مما فعل صاحبها، وبذلك تنمو الأساليب وتتطور، ولا يكاد يوجد كاتب خِلوٌ من ذلك.. ومن قديم كنا نجتهد في محاكاة الأدباء الكبار فنهجم على أساليبهم وقد افتتنا بها، ونسارع في استعمالها متحرين المناسبة الملائمة لذلك، ونجتهد في أن نجد لها موطنا في كتاباتنا ما وسعنا ذلك.. وهكذا حال الكاتب في بواكير كتاباته، ثم لا ينقضي الزمن حتى يخلع تلك العباءة ويتلفع بغيرها، وهكذا على مرّ الأيام حتى ينسج عباءته بنفسه فتكون أمارة عليه.. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن يقول أكبر روائي في العصر الحديث “فيودور دوستويفسكي” في غير حياء ولا استحياء : ” كلنا خرجنا من عباءة غوغول” ، لأنه لا يرى ذلك من ضروب الانتحال أو السطو..

• المسألة الثانية :

يقول “د .سيد حامد النسّاج” :

“وقد دُرست القصة القصيرة في سوريا، ولبنان، وفلسطين، كما دُرست في العراق”..

تقول “د .فوزية بريون” :

” لقد دُرِست القصة القصيرة في معظم بلدان المغرب العربي، كما دُرِست في مصر وسوريا، ولبنان، والعراق، وغيرها”..

ما ذكره “د .النسّاج” لا يعدو أن يكون خبراً يجري مجرى التاريخ، ونقل الأخبار والتاريخ لا يكون فيها الانتحال، وإنما يكون فيها التحريف والتزييف.. فلو جاء كاتب من عصرنا وذكر أنه سيبحث في تاريخ الأمم والملوك على غرار ما فعله “الطبري” في تاريخه، فلا نقول إنه منتحل لمجرد أنه انتهج منهج “الطبري” في تاريخه، أو لأنه أحبّ عنوانه فاجتباه..

نعم يكون منتحلاً إذا نسب الأخبار إلى نفسه، وادّعى أنّ سندها يتصل به.. ولا ضير على المؤلفة أن تذكر في عبارتها أن القصة القصيرة دُرِست في مصر وسوريا ولبنان والعراق، وهذا ليس اكتشافاً انفرد به “د .النسّاج” فتنتحله بنسبته إلى نفسها.. بل زادت عليه وذكرت أنّ القصة القصيرة دُرست في بلاد المغرب، ولم يذكرها النسّاج وذكرت أنها فكرت في الكتابة عن القصة القصيرة في أقطار المغرب الأربعة، ولكنها أيقنت أنّ ذلك ليس بالأمر السهل، فآثرت أن تكتب عن القصة القصيرة في ليبيا..

• المسألة الثالثة:

• يقول “د .سيد حامد النسّاج”:

• ” والتزمتُ في ذلك، أي في بحثه، طريق الصحافة”..

• تقول الباحثة “د .فوزية بريون”:

“وقد التزمت في دراستي هذه طريق الصحافة بالدرجة الأولى، فهي التي احتضنت بذور هذا الفن ورعتها”..

أين الانتحال في مثل هذا الكلام؟

إن بواكير القصة لم تعهد إلا على صفحات الجرايد، إذ كانت المنبر الوحيد الذي ينشر فيه الأدباء أعمالهم.. فهل من تثريب على المؤلفة إن أشارت إلى ذلك المصدر الوحيد الذي حفظ تلك الأعمال القصصية، وهي لم تبرح الحقيقة والواقع..

• المسألة الرابعة:

• يقول “د .سيد حامد النسّاج”:

“يواجه الدارس لفن القصة القصيرة في أدبنا المصري الحديث صعوباتٍ كثيرةً تتعلّق بكيفية العثور على مادته واستقصاء مصادره الأولى”..

• تقول الباحثة “د .فوزية بريون”:

“وهكذا يواجه المتتبع لتاريخنا الثقافي، وخصوصاً الدارس للفن القصصي في أدبنا الليبي الحديث، وخاصة في فترة نشأته، صعوبات كثيرة تتعلّق بكيفية العثور على مادته، واستقصاء مصادره الأولى”..

من البديهي أنه عندما تكون المشكلات من سمت واحد فإنّ الباحثين تواجهم الصعوباتُ ذاتُها.. والمشكلة التي يبحثها هنا “د .النساج”، و “د .بريون” هي المشكلة عينها، وهي البحث عن المصادر الأولى المتناثرة هنا وهناك في فترات زمنية مختلفة، وأماكن مختلفة، فلا تثريب على المتأخر إن وافق المتقدم في ذلك.. وهل ينجو الكاتب، مثلاً، من تهمة الانتحال إذا صاغ كلامه بعبارات مختلفة، كأن يستعيض عن ذكر المصادر بـ( المراجع )، ويستعيض عن ذكر الصعوبات بـ( العوائق )، ويستعيض عن ذكر الاستقصاء بــ(السبر ) أو بــ( التقصي)؟..

وكان بمقدور الباحثة أن تفعل ذلك، ولكنها تدرك يقيناً أنّ ذلك من صغائر الأمور التي لا يأبه لها إلا من كان خاليَ الوفاض.. ولهذا لم تلتفت لجنة مناقشة البحث والمشرفة عليه “د.سهير القلماوي” إلى ذلك حتى وإن تفطنوا إليه، لأنه من قبيل الهَنات(بفتح الهاء لا بكسرها كما يجري على ألسنة الكثيرين) الهيّنات التي لا يسلم منها باحث.. ولو جئنا نتتبع كتابات أعمدة الفكر والأدب عندنا في الوطن العربي، لوجدنا نظائر ذلك كثيرة مبثوثة في تضاعيف مقالاتهم وكتبهم، فهل من الممكن أن نرميهم بالانتحال؟

• المسألة الخامسة:

• يقول “د.سيد حامد النسّاج”:

“وإذا ما طرح الباحث هذه الصعوبات جانباً”..

• تقول الباحثة “د.فوزية بريون”:

“وإذا ما طرح الباحث هذه الصعوبات جانباً أو نجح في تجاوزها، هاله أن يجد نفسَه أول من اختار السير في دروبه الوعرة”..

من المعلوم أن المنتحل لا يقدم على شيء ينتحله بدون فائدة إلا إذا كان أحمق.. حتى السارق يُستخف به إذا سرق شيئاً تافهاً، وقيل: من يريد أن يسرق فليسرق جملا ولا يسرق بيضة، فما الفائدة التي جنتها الباحثة من عبارة شاردة كتبها آخر فأقحمتها في نصها؟.. والحمد لله أن الباحثة اختارت السير في دروب بحثها الوعرة، ولم يذكر ذلك الدكتور “النسّاج”، وإلا لردّدت صيحاتِه جَنباتُ الوادي..

• المسألة السادسة:

• يقول “د.سيد حامد النساج”:

“وبعد فإنني قد أفدتُ من كلّ ما كُتِبَ حول هذا الموضوع من قريبٍ أو بعيد، فقد قرأتُ معظم ما كُتِب فيه بالعربية في صحيفة أو مجلة أو في كتاب.. كما أفدتُ من الدراسات النقدية التي تناولت أدبَنا الحديث بالتحليل والتفسير، ولم أغفل جانباً هاماً وخطيراً، وهو المصادر الحية من الذين عاصروا فنَّ القصة القصيرة منذ نشأته، وكابدوا معه ما مرّ في طريقه من محن، وما اعترضه من صعاب”..

• تقول “د.فوزية بريون”:

“وقبل كلّ هذا وبعده، فقد أفدتُ من كلّ ما كُتِبَ حول فن القصة القصيرة، فقرأت معظم ما كتب فيه بالعربية والمترجم عن غيرها، كما أفدتُ من الدراسات التي تناولت فنون أدبنا العربي الحديث بالدراسة والتحليل، خاصةً ما يتصل منها بفن القصة القصيرة وتياراتها.. أمّا المصادر الحية من الأدباء الذين عاصروا فن القصة القصيرة منذ نشأته، والذين مارسوه وكابدوا تطوّره ونموّه، فقد كانوا مصدراً غنياً من مصادر هذه الدراسة”..

ومن المألوف، لا ريب، أنّ أيّ باحثٍ يعمد إلى كتابة بحثٍ في تطور فنٍّ من الفنون أو جنس من الأجناس الأدبية سيقدم له بذكر قراءاته فيه وتنوعها، وملاحقته لما صنف فيه من آثار، وذكر من سبقه إليه أو إلى مثله، فضلاً عن شكر من قدّم له يد العون..

وقد ذكرت الكاتبة أنها استعانت بما تُرجم إلى العربية من اللغات الأخرى (الإنجليزية)، ولم يذكر ذلك “د.سيد حامد النسّاج”، وإن لم تذكر أنها استعانت بمصادر أخرى بالإنجليزية غير مترجمة، فرجعت إليها في لغتها الأصلية.. فالحمد لله أنها أشارت إلى ذلك، لكي لا يقال كما قال أحدهم في حقها “إنها كانت تنقل عن الدكتور النسّاج نقولاً واضحة جداً، حتى لكأنه من باب وقعَ الحافر على الحافر”..

ولا أدري لو وقع الدكتور “النساج” على مواضع أخرى غير هذا القدر الهزيل المتهافت مما ذكر، لقال أصحابنا في غير تلكؤ ولا تردد، إنّ بحث الدكتورة “فوزية بريون” يسير على سننه (حذو القذة بالقذة، ذراعاً بذراع وشبراً بشبر) حتى لو دخل “النساجُ” جحراً لدخلت معه..

أخيراً، هذا ما بدا لنا في هذه العجالة، انتصافاً للباحثة الكريمة، التي تجرأ عليها بالقول من لا ينفع أن يكون تلميذاً لها، ولا سيما السيدات اللائي تطاولن عليها، مستثنياً الأخت المحامية القاصة ابنة أبيها “عزَّة المقهور”، حتى زعمت إحداهن أنها اكتشفت هذا الانتحال منذ وقت بعيد، حينما كانت تحضّر رسالتها لنيل الماجستير في جامعة القاهرة، فكتبت تقول:

“اطلعت على الأصل في جامعة القاهرة، عندما كنت أبحث عن مراجع خاصة برسالة الماجستير، لكنني آثرت أن لا أذكر ذلك حتى لا أقع في إحراج مع السيدة فوزية بريون” !!

وهل رُفع عنك الحرجُ اليوم يا سيدتي؟.. وهل أنت أكثر فطنة ودراية من صاحب الإدعاء بالحق الدكتور “النسّاج”، الذي لم يجد إلا تلك الهَنات في المقدمة فحسب؟

والأعجب من ذلك قول أخرى: “الغريب في الأمر، أن الدكتورة سهير القلماوي المشرفة على بحث طالبة الماجستير فوزية محمد بريون، كيف لم تنتبه وتنبه الطالبة التي تراجع معها فصول بحثها، كيف لم تقدم لها النصيحة وتوضح لها الفرق بين الاقتباس والانتحال والسرقة؟.. وكيف لم ترشدها إلى المراجع العلمية التي توضح لها أو التي تسترشد بها حتى تكتب رسالتها وتستفيد من المراجع والمصادر، التي لاشك ستتعلم معها كيف تضع قائمة المراجع والمصادر والتنصيص على الاقتباس”..

هذا من بعض ما أثارته مقالة السيد “الفنَّادي”، وحسبُنا من القلادة ما أحاط بالعُنق!!

شاهد أيضاً

الدبيبة يؤكّد على أهمية استكمال الاستحقاق الدستوري

أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة”، اليوم الأربعاء، على ضرورة إعادة تفعيل دور هيئة …