زمن الشعر.. زمن الرواية.. وعلاقة الزمن بالإبداع!
كيف نحدد للعمل الإبداعي زمنا، وهل مشروط له زمن ما؟ سؤال رئيس.. وقد يطغى جنس أدبي في زمن ما ويستولي على الحالة الإبداعية لتوفر شروط ما، كما قد نكون ساهمنا في وجودها سلبا أو إيجابا إذا تماهى وشرط إبداعي مناسب لاحتوائه على هذه القدرة التي تصله بالقارئ، ويكون الأقرب إلى لبوس الحالة الإبداعية في غير تفاضل بين جنس أدبي وآخر إلا فيما تمثله الحالة الإبداعية ذاتها كونها ترجع إلى مبدعها بالأساس، وربما أصبحت ظاهرة في عمومها. وهذا ينعكس على الشعر كونه يأتي في أعلى سلّم درجات الوعي كتابة.
السؤال هنا أين الشعر إبداعا. وهو سؤال غير مضمر بتراجع قيمته وأهمية وجوده.. ألم يتكرر هذا السؤال وأشبع تفصيلا وبحثا!
هذا السؤال يرجعنا لظاهرة السرد أساسا وتداخل الأجناس، بحيث لن يكون هناك ضابط إلا حالة الكتابة ذاتها التي تخلق عوالمها الخاصة بعيدا عن أي تماه؛ وهي بذلك لا تشبه الا نفسها.
ما أثارني ما جاء في العدد 1215 الاثنين الموافق 29 مايو من “صحيفة فبراير” التي صدرت غلافها بالعنوان التالي “في زمن الرواية هل انتهى عصر الشعر؟”…
حمل العدد صورا لبعض أغلفة الروايات الصادرة مؤخرا لعدد من الكَتاب والروائيين، وكان ذلك ضمن ملف فبراير الثقافي الذي جاء في ثماني صفحات لمشرفته الشاعرة/ سميرة البوزيدي، واعتبر الموضوع هو محور الغلاف، ومن خلال جمع آراء شعراء وكتَاب وأساتذة جامعيين اعتبروا أن الرواية هي سجل للمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المجتمعات وأن كل الاجناس الثقافية تؤدي وظائفها ولا يمكن لجنس أدبي أن يلغي جنسا أدبيا آخر، وهي، أيضا، إعادة استكشاف ما حدث في المجتمعات من الناحية التاريخية، ووضع مقارنات بينها وبين الأجناس الادبية الأخرى وصولا إلى أن الومضة السردية أكثر إقبالا وهروبا من واقع التحليل والانغماس التام في السرد إلى مناطق يجدها القارئ، كما اعتبر البعض أن الرواية أداة التواصل مع الاحداث والمجريات، ورجح البعض الآخر أن العامل الترويجي يعد مكسبا إضافيا لعالم الرواية لا يحدث في الشعر وإيصال رسائل أكثر تفصيلا وإحاطة بالشخصيات والأحداث والوقائع، متكئين على مسألة انحسار الاهتمام بالشعر وحلول الرواية محلّه من منظور مادي بما تحققه من مردود لدور النشر على حساب دواوين الشعر.
إن القراءة الصحيحة لاحتمالية التوازن بين الأجناس الثقافية وتصديرها للقارئ لا يتأتى بصورة الطمس الذي يعطى أرضيات مختلفة للرواية ويقصي القصة والشعر وباقي السرديات من الفنون الأدبية، بل يعد السرد من فنون التواصل وفق ذائقة عامة تتيح التفاوت والاختلاف وتخدم المشهد الثقافي عموما، ويد التاجر لا يمكن أن تصنع إبداعا، حيث تطغى على آلية الفكر بدل الذوق وتضع الأخير في زاوية مظلمة، وهذا ما نلاحظه في الفنون التشكيلية بكل مدارسها التي غيّبت -رغم المشاركات المتواضعة والأنشطة المحدودة- فنون النحت والزخرفة، وارتفع صوت الكومكيس، وأبحرت قصائد الضوء والصورة في عالم الفنون البصرية وصارت السمعيات خجلة.. وكل هذه الفنون لا تلغي بعضها، بل تعصف بذهنية المتلقي حسب ذائقته.
لهذا لا يمكن أن نطرح مثل هذه الأسئلة ولا أن نحدد عصرا للشعر ولا للرواية، لأن للنص أزمان متعددة. ويكفي أن يطلق الشاعر نصه في فضاءات أكثر وجدانا ويخرجنا القاص من الوصف إلى الاسقاط والحدوثة، ولكن من منظور منطقي مادي صرف أخذت الرواية أرففا أكثر واهتماما أكبر عند القارئ.
وكي نكون منطقيين ساعد ذلك حركة النشر لا الخط الإبداعي -حسب اعتقادي- ما نتج عنه إهمال المنجزات الثقافية الأخرى، ورفض طباعة المشاريع الشعرية وإيعاز ذلك للربح والخسارة.. السؤال هنا من يتبنى هذه الدواوين وإن كانت المراهنات بسيطة لتخرج من بطون أصحابها لقرائها، ونعترف أن للنص وقعه المؤثر ولو كان من كلمة التي هي صرخة المبدع وترجمة الحالة لديه… وهذا هو السؤال…