منصة الصباح

زاوية‭ ‬قرزة

نقوش

بقلم /منصور‭ ‬أبوشناف
«‬نحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬ارض‭ ‬استثنائية‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬يغرس‭ ‬فيها‭ ‬الانسان‭ ‬شجرة‭ ‬المعرفة‭ ‬‮«‬‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬يلخص‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬ارحومه‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬قرزه‭ ‬الدينية‮»‬‭ ‬مؤرخا‭ ‬لتجربة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الثقافي‭ ‬،‭ ‬تجربة‭ ‬تأسيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬اجتماعية‭ ‬فاعلة‭ ‬امتد‭ ‬عمرها‭ ‬لاكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬وخرجت‭ ‬وعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬والعلماء‭ ‬والقادة‭ ‬الاجتماعيين‭ ‬الذين‭ ‬لعبوا‭ ‬ادوارا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ليبيا‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬،‭ ‬اعني‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬قرزه‮»‬‭  .‬
صاحب‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬اسست‭ ‬لهذه‭ ‬الزاوية‭ ‬كان‭ ‬عالما‭ ‬ومثقفا‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭  ‬هو‭ ‬‮«‬الشيخ‭ ‬ابولقاسم‭ ‬البصير‮»‬‭ ‬واحد‭ ‬خريجي‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬ابي‭ ‬ماضي‮»‬‭ ‬بالجبل‭ ‬الغربي‭ .‬
الرجل‭ ‬غادر‭ ‬الديار‭ ‬بصحبة‭ ‬اسرته‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬اصحابه‭ ‬‮«‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬انسانا‮»‬‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والاطفال‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الرزق‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الكلأ،‭ ‬بل‭ ‬لنشر‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬،‭ ‬قاصدا‭ ‬ارضا‭ ‬جرداء‭ ‬،‭ ‬يصعب‭ ‬العيش‭ ‬فيها‭ ‬،‭ ‬فأقرب‭ ‬مصدر‭ ‬للماء‭ ‬لها‭ ‬كان‭ ‬مسير‭ ‬يوم‭ ‬كامل‭ ‬ذهابا‭ ‬وايابا‭ .‬
المختلف‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬نتعلمه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السلف‭ ‬بكل‭ ‬اسف‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬نشر‭ ‬المعرفة‭ ‬والاصلاح‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعمل‭ ‬الثقافي‭ ‬لايمكن‭ ‬انجازها‭ ‬بالكتابة‭ ‬او‭ ‬الدروس‭ ‬والخطب‭ ‬بل‭ ‬يتطلب‭ ‬اولا‭ ‬تأسيس‭ ‬المؤسسة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬وترعى‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬،‭ ‬وتلك‭ ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬المهمة‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ابنة‭ ‬تجارب‭ ‬كثيرة‭ ‬سبقتها‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬الغربي‭ ‬حيث‭ ‬تأسست‭ ‬بعض‭ ‬الزوايا‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بدورها‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ . . ‬كانت‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬،‭ ‬بلدا‭ ‬متصحرا‭  ‬وتتركز‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الساحل‭ ‬وبعض‭ ‬الواحات‭ ‬وتسود‭ ‬حياة‭ ‬البداوة‭ ‬والترحال‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬رقعتها‭ ‬الجغرافية‭ ‬الهائلة‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬ناشر‭ ‬المعرفة‭ ‬الرائد‭ ‬ان‭ ‬يؤسس‭ ‬عمله‭ ‬التنويري‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬التماس‭ ‬بين‭ ‬هاتين‭ ‬البيئتين‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬قرزه‮»‬‭ ‬ومنذ‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬للميلاد‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬الصحراء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشمال‭ ‬وعلى‭ ‬تخوم‭ ‬الساحل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجنوب‭ ‬والصحراء‭ ‬ولذا‭ ‬وكما‭ ‬فعل‭ ‬كهنة‭ ‬‮«‬قرزيل‭ ‬‮«‬‭ ‬المعبود‭ ‬الليبي‭ ‬وكما‭ ‬فعلت‭ ‬فرقة‭ ‬اوغسطا‭ ‬الرومانية‭ ‬اتخذها‭ ‬هذا‭ ‬الرائد‭ ‬مقرا‭ ‬لمؤسسته‭ ‬ومستوطنة‭ ‬لتلاميذه‭ ‬واتباعه‭ .‬
استصلح‭ ‬الارض‭ ‬وبنى‭ ‬الزاوية‭ ‬وصارت‭ ‬استراحة‭ ‬لعابري‭ ‬تلك‭ ‬المفازة‭ ‬القاسية‭ ‬يتوفرلهم‭ ‬فيها‭ ‬الماء‭ ‬والاكل‭ ‬والأمان‭ ‬وتوفر‭ ‬الاقامة‭ ‬لطلاب‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬البدو‭ ‬الرحل‭ ‬ليتخرجوا‭ ‬منها‭ ‬وينطلقوا‭ ‬ناشرين‭ ‬ماتعلموا‭ ‬بين‭ ‬نجوع‭ ‬اهلهم‭ ‬وقراهم‭ .. ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬ارحومه‭ ‬يكتب‭ ‬لنا‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وحتى‭ ‬اضمحلالها‭ ‬وتفجير‭ ‬مقرها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬متطرفين‭ ‬ليبيين‭ ‬عام‭ ‬2013م‭  ‬ومحاولات‭ ‬الابقاء‭ ‬عليها‭ ‬واحيائها‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬مقاومة‭ ‬المعرفة‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬للتصحر‭ ‬بمختلف‭ ‬اشكاله‭ ..‬
‭ ‬هذا‭ ‬كتاب‭ ‬رائد‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬تاريخنا‭ ‬الثقافي‭ ‬كتبه‭ ‬شاعر‭  ‬مخلص‭ ‬وباحث‭ ‬مدقق‭ ‬ووفي‭ ‬لاصول‭ ‬البحث‭ ‬،‭ ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والامتنان‭ ‬للدكتور‭ ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬ارحومه‭.‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …