منصة الصباح

ماذا قرأ العرب 2023.. روايات وكتب فلسفة واقتصاد في غياب الشعر

 خلود الفلاح

في هذا التقرير والذي هو عبارة عن استطلاع لرأي مجموعة من الكُتاب العرب، ينتمون إلى عالم الكتب الواسع، عالم يدعو إلى المعرفة والسلام في وقت تشهد فيه البشرية حروب ونزاعات وكوارث وأمراض.

هنا تحدث الكُتاب القراء عن الكتاب الأبرز من قراءات العام 2023، والأكثر تأثيرا.

جامع معرفة مهووس

يعترف الكاتب الليبي سفيان قصيبات بضعف نسبة مقروئيته هذا العام مقارنة بغيرها، ويضيف: أن شغف القراءة لا يتعلق بالكم فحظيت بكتب مميزة هذا العام مثل: الكتب التي التهمت والدي للروائي افونسو كروش، وعلى المقهى الوجودية للكاتبة سارة بكويل، وممتلئ بالفراغ للكاتب عماد رشاد، وعزلة صاخبة جدا للروائي هارابال، وبداية مجموعة قصصية لخديجة رفيدة، وايشي للروائية عائشة الأصفر، وخبز على طاولة الخال الميلاد للروائي محمد النعاس، وتغريبة القافر للروائي زهران القاسمي، ومرسال للكاتب محمد راجح، ورحلتي الفكرية للمفكر عبدالوهاب المسيري، وفصول من الفلسفة الصينية للكاتب فراس سواح، وفي بلاد البونت للروائي أبوبكر كهال، والعلكة للروائي منصور بوشناف.

ويقول سفيان قصيبات: مع بداية العام وضعت نهجا سياقيا لنفسي في اختياري لعناوين الكتب فاخترت سياق بورخييس في اقتناء الأعمال الأدبية المتعلقة بفنتازيا الأدب ومخيال التراث الإنساني إضافة إلى مجموعة من الكتب المنهجية التي لها علاقة بتخصصات أكاديمية فالكتاب الذي أثر في كثيرا هو كتاب “عزلة صاخبة جدا” رواية الأديب بوهوميل هارابال قصة رجل عجوز أبله يعمل في إتلاف الورق في براغ؛ يحفظ ويجمع أعداداً كبيرة من المخطوطات والكتب النادرة والمحظورة من خلال عمله. هي حكاية جامع معرفة مهووس ينتصر على الدولة البوليسية التي أرادت أن تنتصر على المعرفة.

في هذا الكتاب وضع أمامنا هانت الشخصية المحورية في الرواية طابورا من الفلاسفة والكُتاب أرسطو وأفلاطون مروراً بكانط وهيغل وسارتر وكامو وغوته وشوبنهاور ونيتشه. أما الاقتباس الأقرب من الكتاب لقلبي أستطيع أن أكون أنا ذاتي؛ لأنّني لستُ وحيداً، ولكني بمفردي ببساطة، أعيش في عزلتي المزدحمة.

تراجيديا عائلية

تحدث الروائي العراقي زهير كريم عن القراءة بوصفها عملية يومية بالنسبة له. يقرأ كثيرا، لكنه هنا سوف يتحدث عن الكتب المميزة وحسب. وأضاف: في القصة القصيرة هناك مجموعة “حانة العادات” للفرنسي فرانز بارتل وهي من الأعمال التي أعدت قراءتها أكثر من مرة. وفي الدراسات الانثروبولوجية هناك كتاب “الجندر الحزين” للمفكر فتحي المسكيني وهو يبحث في قضية النوع وأسطورة النظام الأبوي، ويفكك فيه اختزال البشر في ذواتٍ مجرَّدة.

وأفاد زهير كريم: في الفلسفة قرأت “الانسان المؤله” للكاتب الفرنسي لوك فيري. وهو كتاب يبحث عن انتاج القيم العليا بين الدين والفلسفة، ويخلص فيه في النهاية أن لا وجود لإجابة مريحة عقلية تجلب الطمأنينة عند السؤال عن معنى الحياة. وهناك رواية “اقفاص فارغة” للكاتبة فاطمة قنديل، عملٌ سرديّ رائع، تراجيديا عائلية لها حمولات رمزية، مرتبطة بالتحولات التي شهدها المجتمع المصري خلال خمسة عقود. نص مليء بالإشارات التي تقدم لنا الذات الإنسانية بين الهزائم المرّة، والانتصارات الصغيرة. في نصوص الرحلة لا أنسى كتاب ياسين عدنان “مدائن معلقة” وهو عبارة عن رحلات بين المدن، في الشرق والغرب، الشمال والجنوب. كتاب لذيذ يترك اثرا لدى القارئ ويعقد صداقة بينه وبين المدن التي زارها الكاتب.

ويشير زهير كريم، إلى عدد من الروايات الجيدة مثل “بساتين البصرة” لمنصورة عز الدين. اعتمدت الكاتبة في خطابها السردي على بنية شعورية داخلية للبطل، حيث تدور الأحداث في مساحة يتداخل فيها الحلم والواقع، الشك واليقين.

ومن النصوص المفتوحة، كتاب “الضوء الأزرق” لحسين البر غوثي، نص مولود خارج القفص، يخترق في متنه كل نظام، يهزّ العقل، يضعنا نحن القراء على الحافات المسننة، ويحفر في اللاشعور ليكشف لنا هشاشة الذات الانسانية وجبروتها في الوقت نفسه. وفي الدراسات الأدبية هناك كتاب “على أجنحة الشعر” للكاتبة العالية ماء العينين، يتحدث عن شعر(التبراع) شعر النساء الحسانيات، والذي خصصت فيه الباحثة الفصل الاخير منه لمدونة جمعت فيها معظم ماتداولته الألسن في مناطق الصحراء الواسعة.

أحلام في مراكب الموت

يقول الناقد السوداني مَنْهَل حَكر الدّور: جرياً على عادتي القديمة، في نهاية كل عامٍ اقوم برصد لكل الكتب التي قرأتها وكتبت عنها، واستلُ منها ما أثّر فيّ وسند مشروعي، حتى أبريل المنصرم كان جدولي للقراءةِ يمضي بثباتٍ دون ملل، تخاطبني الكتب بنبرةٍ بشوشة وتبثُ فيّ فوائدها في منتهى الجمال.

ويضيف: “وما أن اندلعت الحرب في السودان حتى وجدت نفسي في مكانٍ تخبر ملامحه عن الحزن والألم، هذا ما أرغم خط سير القراءة عندي أن ينحرف إلى العناوين والثيمات التي امتشقت دُثر الاحباط على طول أشهر السنة، لم أكن أشعر بأيّ قربى مع الكُتُب التي تنتهج الفرح والسّرد المُبْهِج، لأن العالم من حولي يرفو رداء الكآبة والجحيم والكوارث.”

ويتابع: خرجت من افلاطون وكتابه الموسوم بالجمهورية كنت عنده أجلس بكل إجلال وإكبار واحترام، تأثرت به لكون افلاطون يدعو أن يقيم الابداع خارج سطوة الدولة وسلطانها، وأن يكون ابداعاً متجرّداً من كل تدخُّل سلطوي وأن ينحاز إلى قيم الحق ونصرة الإنسان، لان الإنسان المبدع لا يقدس شيئاً إلا الحرية ومن هنا خرجت إلى قائمتي السوداء من الكتب؛ كلها تنحصر في مسير الفقر والحرب والنزوح. حتى روايتي التي نشرتها منتصف العام جاءت تمشي في هذا المضمار، فكانت “أحلامٌ في مراكبِ الموت”، أحلام موزعة بين بحرٍ من الرمال وصحراء ماء، أحلام تقفز من شطر القارة السوداء الشرقي بكل ما به من عنتٍ وحال شقي، وتمر بالسودان وتجد الوضع فيه أشدّ مضاضة، وفي ليبيا صحائف عريضة من العذابات والويل، ثمّ بلوغ البحر وتجريب الوصول إلى فردوس النعيم المتوهّم، تأثرت بها ونشرتها لأن العالم من حولي يمور في المحنةِ ويغلي في نيران ميلان الحال، كأنه خارج من غُرف الغاز في معسكر أوشفيتز على أيام هتلر.

وتحدث مَنْهَل حَكر الدّور عن تأثره لدرجة التماهي والتقمُّص برواية “قصة مدينتين” لتشارلز ديكنز، لأن السرد فيها وصورها وحبكتها ورسم شخصياتها كلها سُخرت لتخليص المجتمع البشري مما يحيط به من شرورٍ وقبح.

وأضاف: كنت موزّعاً بين فصولها؛ بين آثار العاصفة والعودة إلى الحياة، كانت بالنسبة لي رواية الثورة والانعتاق من صلف الحاكم الفاسد الذي يلتهم المواطن بتدبيره البليد وافكاره السمجة، تأثرت بها لأنها تعيد فيّ ذكرى التغيير المعطوب الذي يمارس فيه الحاكم الجديد الانتقام فضلاً عن القانون والمحاسبة والتأسيس إلى العدالة، تقمصت فيها دور إيفريموند كارهاً لروح الانتقام الشريرة عند ديفارج.

رواية “قصة مدينتين” تأثرت بها وضجت حولها وخرجت منها مقيداً بحزني وقلقي على حال ثورتي.

تأثرت برواية “الجحيم” لدان براون، ووقفت عندها وامتهنت تخيلاتي للظالمين من الساسة والعسكر وهم يمرون على طبقات جحيم دانتي قياساً على خارطة بوتيتشلّي في الرواية، أيقنت أن الحروب وحصدها المخيف للبشر ما هي إلا الإرهاب البايولوجي الذي خاطبته الرواية بكثافة وتلك حكاية طويلة.

تأثرت بها لأن العالم من حولي ما زال اسفنجة منقوعة في الحروب والاقتتال والكوارث، والزمان مثخن بالموت والاستخدام المُشين للقوّة، تتكوّم الجثث في السودان كتكويم الحنطة في البيادر، وتتقاصر المروءة عند الناس ويستطيل في دواخلهم الجشع والجُبن.

بساطة ولطف

وتشير الشاعرة الليبية أمل بنود إلى أن الاعتراف بأنها من القراء الكسالى سيجبرها بطبيعة الحال إلى حقيقة واحدة وهي أنها لم تقرأ الكثير من الكتب هذا العام.

بحسب أمل بنود، بدأت العام برواية “تغريبة القافر” للعماني زهران القاسمي. هذه الرواية استوقفتني واستطاعت بطريقة ما القبض على فضولي حتى نهايتها. وهذا ما صرت في السنوات الأخيرة افتقده تماما. لم يعد بمقدوري قراءة أي كتاب من أول الغلاف حتى آخره. وفي الغالب ينتهي بي الأمر متململة وقافزة بلا مبالاة إلى كتاب آخر. وهكذا.

وتضيف: لا أعلم على وجه الخصوص ما الذي جذبني لتغريبة القافر إلا أنها بشكل عام من وجهة نظري عمل يحمل من اللطف والبساطة والدفء ما يجعلك تتكور كقطة وتقرأ حتى النهاية.

أنا هنا لا أقول إنها كانت رواية مثالية بالنسبة لي، لكني وجدت فيها أكثر ما يجذبني للعمل الأدبي كبداية وهي علامة الاستفهام التي يطرحها الكاتب وتجعل القارئ رهينة حتى النهاية. كان هناك الكثير من الكتب التي بدأت في قراءتها ولم انتهي منها إلى هذه اللحظة.

قصة شديدة الخصوصية

يرى البوكتيوبر المصري عمرو المعداوي أن ” تغريبة القافر” للروائي زهران القاسمي هي مثال حي لكيفية تقديم الثقافة وبعض من الموروث المحلي والمكاني لوطنك، وأضاف: منذ فترة لم أعش داخل تفاصيل بلدة كما وصفها القاسمي ببطله ذو المهنة الفريدة. ورواية “كما يليق بأب يحاول” لمصطفى منير خيال خصب من الصعب أن تصادفه في أدبنا العربي، كتابة جادة، مجنونة في بعض الأحيان، وصادقة في كل مواقفها وشخصياتها.

أما رواية ” كيف قتلت أبي” للكاتبة سارة خاراميو كلينكيرت. لم أتخيل أن أتواصل مع قصة شديدة الخصوصية مثل هذه، لكنه الصدق يفعل كل شيء. الآلاف تحدثوا من قبل عن موت الأب، لكن القليل يستطيع فعل ما قامت به الكاتبة.

ويتابع: كتاب ” تذكرة نجاة للانطوئيين” لباتريك كينج. يخبرنا الكتاب بأننا لسنا مرضى! فقط نعيد شحن بطارياتنا الاجتماعية بشكل مختلف. ساعدني هذا الكتاب الصغير في فهم الطبائع بشكل أفضل واتباع استراتيجيات الهروب من المواقف الضاغطة. أما كتاب “رأس المال في القرن الحادي والعشرين ” لتوماس بيكيتي هو عبارة بحث مضني من الكاتب على مدار خمسة عشر عاما لفهم القوى التاريخية المحركة للثروة والدخل والاقتصاد العالمي، اقرأه على مهل لفهم ما يحدث في العالم الآن.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …