منصة الصباح

رواتب‭ ‬الحكومة

بقلم / عبد الرزاق الداهش

بينما يتقاضى اختصاصي في جراحة القلب بمستشفى خاص مرتبا يلامس السبعين ألف دينار شهريا، يتقاضى عامل بنفس المستشفى مرتبا ما بين الستمئة، والسبعمئة دينار لا غير.

ورغم أن جراح القلب يحصل على ما يعادل مرتب مئة عامل مجتمعين، إلا أنه لا أحد يتكلم عن المساواة، والإنصاف، هدر العدالة.

والسبب أن العامل «الغلبان» الذي لا يصل مرتبه إلى واحد بالمئة من مرتب الجراح البارع، تسربت إليه قناعة بأن هذه هي القيمة الحقيقية للمرتبات، وأن ما يحصل عليه كل واحد منهما، جاء نتيجة لما يعطيه.

وحتى لو أن العامل لم يكن على فهم بمنطق (استثمار المعرف)، فهو يدرك أن ما يحققه الطبيب من عائد للمستشفى أكثر مما يتقاضاه من صاحب المستشفى، بمنطق الربح والخسارة.

ولكن العامل نفسه لم يفكر لا بمنطق استثمار المعرفة، ولا بمنطق لعبة التجارة، عندما صدر قرار بتحريك مرتبات الأطباء والهيئات الطبية المساعدة بالزيادة، فقد رفع العاملون بالصحة الدنيا فوق وزارة الصحة، ولم يقعدوها.

قرار الزيادة قد لم يصل بالفارق إلى الضعفين، ولكن لن يصل إلى خمسة أضعاف بين مرتب الاخصائي، ومرتب العامل في المستشفى الحكومي، كما أن الأخصائي سوف يدفع ضرائب بما يعادل اضعاف ما يدفعه العامل.

أغلب الأطباء في المستشفيات الخاصة لا يدفعون الضرائب، حتى وإن كانوا على علم بأن ضريبة الدخل ليست وقفا على الموظفين في الحكومة.

السؤال: لماذا كان العامل في المرة الأولى على قناعة بعدالة الفجوة في المرتبات على مساحتها الشاسعة، بينما غابت هذه القناعة في المرة الثانية، رغم أن الفجوة أقل، وأقل بكثير.

هذا العامل أو الموظف نفسه يمكن أن ينقطع عن العمل في المستشفى الحكومي، أو المصلحة الحكومية، ومع ذلك يرى أنه من حقه الحصول على مرتبه كاملا، و(على دائر المليم).

بينما يحرص بشكل مستمر على أداء عمله في المستشفى الخاص، ولا يقول ثلث الثلاثة واحد، حتى لو تم الخصم من مرتبه، لأنه تأخره ساعة واحدة، بسبب ظرف جد قاهر.

هل المال الخاص في وعينا الجمعي أكثر قداسة، بينما المال العام هو الأكثر تعاسة، حتى أن سرقة ما يعادل قيمة مليون دجاجة، من المال العام، أهون من سرقة دجاجة واحدة من بيت الجيران؟

وهل المرتبات في المؤسسات الخاصة أموال خاصة لها حرمتها، بينما في الحكومية هي حصص من صندوق توزيع للصدقات، يعني ليست مهايا مقابل أداء عمل؟

في الواقع إن العامل في المستشفى الخاص سوف يذهب إلى منزله، لو أنه قال نصف كلمة فقط، وهناك ثلاثة ينتظر كل واحد منهم وظيفته.

أما في المستشفى العام فقد لا تحصل معه على نصف كلمة، والثلاثة الذين كان يفترض أن ينتظروا وظيفته هم زملاء معه في العمل.

هناك تشوه في الوظيفة العامة، بسبب تحول الدولة إلى سوق عمل، بدل أن تكون مهمتها تحسين سوق العمل، وتبعا لذلك انتشرت ثقافة التعيين في الدولة كحق مشروع، والدراسة لكسب درجة أفضل، وسياسة التوظيف، والمرتبات البائسة، والمعونات، وباقي مشتقات الدولة المترهلة.

 

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …