تحريك رماد التاريخ
علي الدلالي
انتفض مناضلون ومثقفون وسياسيون وناشطون وأعضاء في مختلف مؤسسات المجتمع التونسي ضد تصريحات للرئيس قيس سعيد مطلع هذا الأسبوع أمر من خلالها قوات الأمن التونسية بوقف الهجرة غير القانونية وطرد جميع المهاجرين الذين لا يحملون وثائق، قائلا “إن الهجرة مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية لبلاده”.
بنى الرئيس التونسي، فيما يبدو، موقفه الذي يُمكن اعتباره عنصريا بامتياز ودعوة صريحة للعنف والكراهية، مهما حاولت وزارة الخارجية التونسية نفي ذلك، على معلومات مغلوطة من أجهزته الأمنية إذ أن عدد أفراد الجالية الأفريقية في تونس لا يتعدى بضعة آلاف حيث قدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي عدد هؤلاء المهاجرين بحوالي 60 ألف مهاجر من جنسيات أفريقية مختلفة معظمهم دخلوا إلى تونس بجوازات سفر، وهو رقم بعيد جدا عن تغيير التركيبة السكانية لتونس.
صادمة تصريحات الرئيس قيس سعيد دون أدنى شك لأنها تأتي قبل أي شيء من رئيس دولة في المنصب، دولة أرضها أفريقية وبحرها أفريقي وسماؤها أفريقية وجغرافيتها أفريقية وهواها أفريقي، وهي في نفس الوقت مسيئة ليس للأفارقة من دول أفريقيا جنوب الصحراء فحسب ولكن للشعب التونسي الذي كان دوما فخورا بهويته الأفرو-عربية والإسلامية، كما قال رئيس المعهد الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والسلام في السنغال، شيخ تيديان غاديو ردا على هذه التصريحات المشينة.
لقد حرك الرئيس سعيد رماد التاريخ، وقد يكون يعلم أو لا يعلم، أنه ليس من الحكمة أحيانا استدعاء التاريخ لأن تحته قرونا من العنصرية والأبارثيد والرق والعبودية والوجع والدموع والدماء، وهنا نعتقد أن الرئيس التونسي في حاجة إلى من يُذكًره بأن الـ 30 مليون كلم2 التي تتربع عليها القارة الأفريقية السمراء هي وطن للأفارقة جميعا، وقد يكون هو شخصيا، ونحن معه، من نسل قرطاجنة أو الرومان أو الكاهنة أو حتى من نسل شبه الجزيرة العربية أو العثمانيين.
لا غرابة أن تلقى تصريحات الرئيس قيس سعيد الشعبوية المتطرفة ترحيبا من قبل الكاتب والسياسي الفرنسي اليميني العنصري المتطرف، إيريك زمور، الذي يعتقد أن تواجد المسلمين والسود في فرنسا سيقود في نهاية المطاف إلى حرب أهلية، إلا أن المظاهرات والمسيرات التي عمت شوارع تونس وحجم التعاطف مع الجالية الأفريقية، وإعلان 100 منظمة، وشخصية حقوقية وإعلامية تونسية، عن تأسيس جبهة مناهضة للفاشية في تونس، لمقاومة ما أسمته “السياسات والخطاب والممارسات العنصرية والاستبدادية بكل الوسائل”، يؤشر على أن الشعب التونسي متمسك بهويته الأفرو- عربية والإسلامية ويرفض شطحات “دولة الهواة” التي تسكن قصر قرطاج.
إن تصريحات الرئيس سعيد جعلت ملف العنصرية البغيض يطفو على السطح من جديد في المنطقة المغاربية تحديدا والعربية عموما، وهي ظاهرة عالمية تكاد لا تخلو منها أي دولة، بما في ذلك دولنا العربية وخاصة في موريتانيا حيث يستمر الرق فيها إلى يومنا هذا رغم جهود الدولة المعلنة لمحاربته، ولا أستثني بلادنا ليبيا، حيث لا نزال نُعاني من بعض إشكاليات التعصب والفوقية المريضة ضد أصحاب البشرة السوداء أو ضد الأقليات العرقية، أو التعصب لعرق ضد آخر.
نرجو أن يكون الرئيس قيس سعيد قد توصل برسالة الشيخ تيديان غاديو الذ ي كتب له في نهايتها: إن قارتكم بكاملها تنتظر تأسفكم وإذا كان ممكنا طلبكم الشجاع بالعفو! مع فائق إحترامي، سيدي الرئيس.