منصة الصباح

رحلة عبر الوطن

بقلم : علي الهلالي

رغم إنني ترعرعت في أزقة وحواري المدينة القديمة ونشأت فيما بين حومة غريان والأربع عرصات وقضيت أوقاتا جميلة مابين باب الحرية وباب بحر وكبرت لأبدل خطواتي عبر طرقات وشوارع طرابلس التي أعرفها بالمليمتر ، إلا انني أعتز بأهل وأصدقاء من كافة أنحاء هذا الوطن المترامي الأطراف .. أحببتهم وعايشتهم وجمعتني بهم مهنة وصداقة وآمال وطموحات.

زرت معظم مدن الود التي تمتد من الشويرف حتى التوم وتفترش صحراء تحنو عليها وتلتحف سماء غلفتها بالنقاء على أمتداد الأفق من مثلث السلفادور حتى الكفرة مرورا بمرزق وأوباري وجرمة وغات وتويوة والفجيج .

نعمت بالنوم العميق في زلاف وغرقت حتى ركبتاي في رمال ودان وحنت علي الشمس في الفقهاء التي عبرتها بزوادة من تمور سوكنة .

ورغم نشأتي في زحام ميدان السويحلي وإكتظاظ الرشيد إلا أن غريان التي تنفست الهواء النقي وأنا أعبرها إلى الأصابعة حاضرة في فؤادي .. وبقوة وكم من مرة توقفت على كوبري جندوبة لابتاع شوالا من الفستق حيث كثيرا ما تساهل معي ذلك البائع الاصيل الطيب لانني من بعيد ووجبت مساعدتي – حسب تقديره.

أحببت غدامس بالقدر الذي أحببت فيه شارع الشط ونالت الحرابة من قلبي بالقدر الذي نالته الهضبة الشرقية التي عشت زمنا اتردد عليها إبان دراستي في الجامعة.

اصدقائي في درج مثل اصدقائي في طرابلس يتقاسمون قلبي ولايمكن القفز عن بطة والبيضاء وشحات التي أخذت بلبي حين أجبرني الأصدقاء على ان احط الرحال بها ومن يومها وهي تحتلني..

قد أحن إلى طبرق التي تركت فيها بعضا من نفسي وأشتاق عنب البريقة الذي أحمل منه مالا تطيق حقائبي نزولا عند رغبة الاصدقاء وفي اجدابيا أجلس في أحد المقاهي لاشاهد الإتجاهات إلى كل المدن في مفترق هو عصب الجسد .

ومن القرضة يهاتفني صديق يدعوني لفرح أحد الأصدقاء في القطرون لنبحر معا عبر برقن ونعود معا لطرابلس ..

هذه هي ليبيا التي أعرف ويعرف الجميع ..

هذه هي البلد التي لن تكون إلا واحدة ..

هذه هي البلاد التي نحبها وتحبنا والتي تعلو فوق كل فوق .. لن تقبل من يحاول إختزالها في مدينة أو منطقة وستلفظه من ذاكرتها .

سلام على أهلنا في كل مدينة وقرية .. سلام على الذين يحبون الوطن ويرون أنه الإنتماء والهوية وفصيلة الدم .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …