حسام الوحيشي
كسر الدكتور عادل المزوغي قلمه بانفعال وهو يردد: “مشروع الميثاق ومدونة السلوك أو غيرهما من التشريعات الإعلامية إذا صدرت من الحكومة ستصدر من غير ذي صفة.” كان يمسك بقلم آخر عندما أكمل الجملة، شقه إلى نصفين قبل أن ينطلق من جديد: “ميثاق الشرف المهني ومدونات السلوك وقوانين الصحافة والنقابات في كل بقاع الأرض لا تصدرها الدول والحكومات.” يوجد الآن الكثير من الغضب والحبر على المنضدة “انهمرت قبضته بينما تعالت حدة نبرات صوته” وإنما يصدرها أصحاب الشأن، فالصحفيون في الدول الديمقراطية يصدرون ميثاق الشرف من خلال نقاباتهم المستقلة.
الدكتور عادل المزوغي هادئ إلى درجة لعينة، هذا خيالي غير المطلوب يعبث بمسرح الجريمة وينكل بالصرامة اللازمة لمناقشة هذا النوع من المعضلات الدرامية، هنا سأوضح نقطة صغيرة تبدو لي ضرورية جدا، السلطة الرابعة والسلطة التنفيذية ليستا نتاج حقل عقول معرفي واحد، لدى مونتسكيو الفرنسي السلطات الثلاث لا تراقبها سلطة رابعة، إدموند بيرك جعلها رابع الطبقات الثلاث أو الأحزاب، الدين، النبلاء، العوام،
منتسكيو الذي تعامل مع واقع الانسداد الإصلاحي في مؤسسات الدولة وناصر الثورة، وبيرك الأيرلندي مفكر الحياة السياسية البريطانية “المحافظة” الذي تجاهل عمدا السؤال المحوري: إذا لم تكن الحلول ممكنة بالطرق الدستورية فما العمل؟
في مناقشة برلمانية سنة 1771 ذكر بيرك السلطة الرابعة، ولم يشر إليها منتسكيو وهو يصوغ مبدأ الفصل بين السلطات في كتابه روح القوانين سنة 1748 بينما روجه توماس كارلايل في الأبطال وعبادة البطل في 1837،
كما استعمل آخرون المصطلح لوصف أشياء أخرى مثل البروليتاريا والملكة والمحامين وغيرها وكرر هنري بروغام وويليام هازليت تحت قبة النواب والصحفي ويليام كوبيت وأوجست وايلد في نصوصهما، حتى أصبحت مصادفة وجود الروحانيين والزمنيين والعموميين رافعة جددت إمكانية تداول عالمي عابر للأزمان لوصف أطلق على دكة المراسلين في البرلمان البريطاني.
لا أستطيع كتابة المصطحات البذيئة التي راجت وطنيا بسبب قولها تحت قبة مجلس النواب الليبي لأن الدكتور عادل المزوغي سيحطم المزيد من الأقلام والطاولة إنه سلطان الغضب الضاري، لنتفق أولا: اعتراف بالإنهاك مهم هنا، فقصة النقابة وقوانينها وحكاية مدونة السلوك وفرضية صدورها عن نقابة، سرد أزلي، و لا يمكن أن ننسف مغامرات الآخرين و نقول أن الجهد لم يسفك لمحاولة التأسيس بأفضل صورة مثالية، مر العديدون من هذا الباب واصطدموا بغياب التشريعات وفشلوا لدرجة التوقف، زمر مختلفة متناثرة على رقعة الوطن كانت أشد بأسا ابتكرت نقابات قزمية مصابة ببعض الهنات واستمرت بفاعلية غير كافية، معظمهم زملاء إن لم أصفهم بالأصدقاء، كنت من بين الخائضين الأوائل ونظمت ملتقى إعلاميًا وصحافيًا كلل بالفشل غرب البلاد كان يتكامل مع تجمع شرقي أقيم أيام المؤتمر الوطني، لم يذهب الرماد هباء فقد استثمر مساعيه أعزاء ووصلوا إلى ضفاف “مجلس أعلى للإعلام” وانفض الركح منتظرا التشريع الذي لن يأتي.
مراكمة البذل للوصول يوما هي الجدوى الوحيدة، في الزمن الراهن أنا على اتصال بمجموعتين ابتكر كلاهما جسما نقابيا يرفض الآخر، شرعية الأول من مجلس النواب قبل أن يدخل بقضيضه نفق اللجان والتجميد السريالي، المجموعة الثانية لجأت إلى نقابة مهنية لكي تستمد منها الوجود وتقفز على الشرعية الحصرية الممنوحة للاولى، ورغم أن الهنات مرافق رسمي للاعمال البشرية هناك حراك محمود، عدى الغصة التشريعية، التنافس الخير بين قادة المجموعتين يوقد نارا و ينفث فيها و رياح مصاحبة تهب، الشأن الصحفي والإعلامي غير موارب و اصكاك الانقسامات السياسية في أوجه وتطاحن الأطراف المعنية لم يجنبه أوار التخبط، حسنا لنحضر النوايا الطيبة و نجلس حتى على الرصيف.
مايقوله الدكتور عادل المزوغي صحيح! وما يقوله المناقضون له صحيح ايضا كيف هذا؟ لا أعرف ولكنها محطة للنقاش، و اذا ابتلت هذه السطور بالدبلوماسية المفرطة الرجاء رميها في القمامة! و لكن يضل كلام الدكتور سليما على الأقل بالنسبة لي ، كل المعلن من ذوي الشأن في منتهى الروعة قد يختبيء شرر تحت الرماد بتمظهرات طموحية السمت أو بأشكال تتوهم أنها ايدولوجية لكن لا تبالي، العلاقات تستلزم الثقة و غياب العلاقة ينتج الريبة، ان تكون شمسا تشرق على الجميع أمر غير معقول، مايهمنا هو المجهور به، الجميع يريد نقابة لغرض نبيل، حماية الصحفيين و الإعلاميين و تفادي ويلات جورهم، لنأتي على ذكر الرهط الثالث الذي صاغ مدونة السلوك المهني و هو يتقاضى مرتبا حكوميا و يرغب في أن يكون دور النقابة مقتصرا على منحهم اذن القصف جمل قاسية تصاغ في أسوء الظنون و إن بعض الظن إثم ، لا تطلقو حكما ختاميا على طموحات شابة تعمل و انتظروا الى المطاف الاخير ، اللانتظار لايعني المشاهدة و البكم ، المتابعة فرض صحافي و اعلامي و نقابي.
الخطة بسلاسة في لقاء يجمع النقابات المشتتة الثلاث و يشرع الباب للبقية النافرة بإشهار كافي و مكثف في مواقع مختلفة من الجغرافيا المتناثرة مع تنقل يغطي المدن و القرى او مراكزها الأساسية، و تكوين لجنة تأسيسية حديثة، تتكبد عناء تكوين نقابات فرعية بالمناطق و انتخاب كادرها من الاسفل الى الأعلى ، الاعلان عن ملتقى وطني يضم كل الفروع و المهتمين بإنتخاب النقيب الوطني و مساعديه، البدأ في خطوات تأسيس مدونة سلوك ليبية تستفيد من صياغة الكل و افكارهم و نشاطاتهم.
علاقة الثقافة بالسلطة، دمج الحكومي بالنقابي، الاعلام و اللاتصال، الصحافة و السلطة التنفيذية، المجتمع المدني و الدولة، انقسام المؤسسات و توحيدها ، مفاهيم لا تغيب على المجموعات الثلاث و أي مجموعة مضافة تراقب ، فالواقع ليس مثاليا لنطبق ما يقوله الكتاب، و المراجع ليست جامدة لنهشم بها وجه المضارع.
البقية ستأتي عبر التاريخ !