منصة الصباح

ليست بالحروب وحدها تدمر الأوطان

د.علي المبروك أبوقرين

الأعداء المتربصين بالوطن لهم أهدافهم الواضحة ، ويسعوا جاهدين لتحقيقها ، مستخدمين مختلف السبل والوسائل والاستراتيجيات والخطط ، والحرب إحداها اذا اضطروا لها أو اذا فيها منافع ومكاسب أفضل وأسرع للاعداء ،

إن أعمدة الأوطان الأمم والشعوب ، ومقومات أي أمة الدين والتعليم والصحة والاقتصاد ، والترابط الاجتماعي والقيم والمبادئ الإنسانية والحماية الاجتماعية ، بهم تنهض وتتقدم وتتطور وتنشد الازدهار ، وتتنافس مع الشعوب والأمم الاخرى في التطور والتقدم الحضاري ، الذي يقوم على المعرفة والعلوم والثقافة والبحوث ، وعلى الصحة والعافية وسلامة الأبدان والعقول والأنفس والأرواح ، واكتساب القوة التي يبنيها إنتاج العقول من أسلحة رادعة تحمي وتصون الوطن ، وقوة ناعمة سلاحها العلم والثقافة والمعرفة والاقتصاد الإنتاجي القوي ، تحمي بها الأمة نفسها وتعزز بها ثقتها وتنمي قدراتها ، وتغزوا بها الغير بإحداها أو جميعها إن أرادت ومتى شآت ، وبلادنا دفعت أثمان باهظة من حياة أمتنا ومن خيراتها لتعرضها لكل وسائل الغزو العسكرية والثقافية ، ودفعت اثمان انعكاساتها ، وعانت من الفقر والجهل والمرض ومتلازمة الاقتصاد المتدني ، ومؤشرات التعدادات السكانية في أعوام 54 – 64 – 1975 كانت سيئة جدا ، ومن أعلى المعدلات في الفقر والأمية والبطالة ، وانعدام السكن والغذاء والدواء والعلاج لانعدام الخدمات الصحية ، وندرة المستشفيات ، وقلة الكوادر الطبية التي كانت بالعشرات ومتمركزة بالمدن الساحلية الكبرى ولاغراض تخدم المستعمر ، وانعدام التعليم لقلة المدارس ، والحاجة للعمل تطغى على التعلم ، وأعداء الوطن والطامعين فيه كثر والعالم تحكمه ايدلوجيات وهيمنة ونفوذ ، واقتصاديات ، وقوى الشر وتحالفاتها لا يدخروا جهد في تدمير الأوطان ليتحقق لهم ما يريدون ، إما بالحروب أو بتدمير التعليم بسياسات تعليمية سيئة ومناهج تخدم أهدافهم ، وانتشار الغش والتزوير وتسليع التعليم وشراء الشهادات في كل التخصصات والمهن ، وتفتح لهم المجالات والفرص حتى تدار المؤسسات بمن يفتقدون التأهيل العلمي والتقني والفني والإداري والخبرة ، وما يترتب عليها من إنهيار في المؤسسات وتغرق البلاد في الفساد والجهل والمرض ، والاقتصاد الاستهلاكي الذي يتنامى معه التسرب من التعليم والزيادة في الإنفاق ، وغسيل الاموال ، والتجارة الغير مشروعة ، والغش في كل شئ ، وتغرق الاسواق بالسلع الفاسدة والمغشوشة والمزورة ، ولا يسلم منها لا الغذاء ولا الدواء ، مع تعاظم أنتشار تجارة المخدرات والمسكرات ومذهبات العقل ، وينشط كل ما هو محرم وممنوع ، ويجتهد الحذاق الطموحين للثراء السريع والتميز الطبقي الوضيع ، وتنتشر كالهشيم المدارس والجامعات الخاصة والمصحات الخاصة بنفس المعطيات والامكانيات زاد عليها سرعة إفقار الطبقة الوسطى والقضاء على مدخرات الناس ، وتحويل المجتمع لسلعة يتاجر فيها كل المتعايشين على أزمات وأمراض الناس ، وسرعان ما ترتفع هذه الأنشطة وتنهار وتباع وتشترى كأي أنشطة اقتصادية حتى تبقى سلع صائغة لما يقال عنه استثمارات أجنبية التي تحول البلاد والعباد لشركات محصنة تُعلم ما ارادت وتطبب بمعرفتها كما أشآت ، ويتعاظم هذا النهج التدميري ، وتتدخل وصفات المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة ، ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واليونسيف واليونسكو والفاو ، وكل من له شأن في تنظيم وتدبير حال الأمم الفقيرة والتي تنهشها البطالة والأمراض بوصفات أكثر إيلام وخطورة ، وتخدم الأعداء المتربصين بالأوطان لخدمة النفوذ والسيطرة عسكريًا واقتصاديا ، وهذه الأساليب أكثر خطورة وتدمير على الشعوب والأوطان من الحروب لأن الحروب تخلق المقاومة وتعزز الوطنية والانتماء ، وقوى الشر تعلم أن قوى التدمير الذاتيه أفضل لها ، ولهذا سخروا الخبراء لوضع السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ، ووضعوا السياسات التعليمية والصحية بما يضمن لهم إرتفاع مؤشرات الفقر والجهل والمرض والفساد ، وما يترتب عنهم من هجرة العقول والتفكك الاجتماعي والفتن والصراعات الداخلية ، والغرب جاهزون بالوصفة العلاجية السياسية ..

إن الدين والتعليم والصحة ، والتماسك الاجتماعي ، والاقتصاد المعرفي والإنتاجي قوة الشعوب والأمم تحميها من قوى الشر المتربصة بها ..

ليست بالحروب وحدها تدمر الأوطان

حفظ الله بلانا وأمتنا

 

شاهد أيضاً

*أولويات الإصلاح الصحي*

د.علي المبروك أبوقرين   حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما …