تقرير..طارق بريدعة
في فجرٍ هادئ من سبتمبر قبل عامين، لم يكن سكان درنة يدركون أن أصوات الرياح التي تعصف بالمدينة ستكون آخر ما يسمعه الآلاف منهم. ساعات قليلة كانت كفيلة بأن تغيّر ملامح المدينة الساحلية الهادئة، حين انهار سدان عتيقان تحت ضغط العاصفة “دانيال”، لتتحول شوارع درنة إلى مجرى نهر جارف حمل معه البشر والمنازل والذكريات.
في تلك الليلة، ووسط ظلام دامس، ابتلعت مياه الفيضانات أحياء كاملة، تاركة خلفها مدينة منكوبة وعائلات تبحث بين الركام عن أحبائها.
اليوم، وبعد مرور عامين، ما زالت درنة تحمل آثار تلك الفاجعة، لكنها أيضا تحاول أن تكتب فصلاً جديدا من قصتها… بين ذاكرة الألم وملامح الإعمار.
النجاة من الموت… حياة جديدة محمّلة بالذكريات
في أحد الأحياء التي كانت تعجّ بالحياة، يجلس محمود، وهو شاب في العشرينات، على أنقاض منزله القديم. نجا بأعجوبة بعدما جرفته السيول لمسافة مئات الأمتار، بينما فقد والديه وثلاثة من أشقائه في تلك الليلة.
يروي أحمد المسلاتي لـمنصة الصباح
“في لحظة كنت نائما، وفي اللحظة التي تليها كنت أغرق في الظلام والماء… لم أرَ شيئا سوى صرخات تتلاشى، وأيدٍ تتمسك بي قبل أن يبتلعها السيل. لم يبقَ لي سوى هذه الذكرى الثقيلة وهذا الخراب الذي أعود إليه كل يوم.”
قصته ليست استثناءً، فهناك آلاف الناجين الذين تركت الفيضانات في نفوسهم جراحًا أعمق من تلك التي أحدثتها على الأرض. بعضهم فقد عائلته بالكامل، والبعض الآخر يعيش على أمل العثور على مفقود لم يعلن موته رسميا بعد ويضيف أحمد فقدت اغلب جيراني درنة الآن من 100 شخص تعرف منهم شخص ملامح المدينة تغيرت الصحابة والسوق العتيق وسوق الظلام شكرا لأهل طرابلس عالفزعة وعلى كرم ضيافتكم .
من بين هؤلاء أم علي التي اكدت للمنصة ، إنها لازلت تحتفظ بملابس ابنها الصغير كما هي في خزانته منذ عامين. تقول وهي تمسح دموعها:
“أفتح باب الغرفة كل صباح وكأنني سأسمعه يركض نحوي… لم أجده، ولم أجد حتى جثمانه. ملابسه هي كل ما تبقى لي منه.”
أحياء تعود إلى الحياة… وأخرى تنتظر الإعمار
رغم هول الكارثة، لم تستسلم المدينة لليأس. في العامين الماضيين، بدأت جهود إعادة الإعمار تتشكل وسط تحديات كبيرة.
بحسب الجهات الرسمية، تم تخصيص 10 مليارات دينار ليبي لإعادة إعمار المدينة والمناطق المتضررة. وقد أُعيد بناء آلاف الوحدات السكنية، بينما تم ترميم أكثر من 60 مدرسة، وعشرة جسور رئيسية، إلى جانب شبكات الطرق والكهرباء التي دُمّرت بالكامل تقريبًا.
في حي آخر، عادت الحياة إلى بعض الشوارع، حيث عاد النازحون تدريجيًا إلى بيوتهم.
يقول المهندس إبراهيم ، المشرف على أحد مشاريع إعادة الإعمار.
“اليوم، وصلت نسبة الإنجاز في بعض المشاريع إلى 70%. مسجد الصحابة الذي كان رمزًا روحانيًا للمدينة أوشك على الاكتمال، والمستشفى الرئيسي عاد للعمل بعد ترميمه الجزئي، كما تم افتتاح عشرات المحلات التجارية من جديد.”
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما لم يُنجز بعد. بعض الأحياء ما زالت على حالها منذ ليلة الكارثة، شاهدة على حجم الدمار الذي حل بالمدينة.
الشباب في قلب الإعمار
لم يكن الإعمار مجرد جهد حكومي أو دولي، فقد لعب شباب درنة دورًا مهمًا في هذه المرحلة.
طلاب جامعة درنة شاركوا في مشاريع إعادة البناء، ليس فقط كمتطوعين، بل كمهندسين ومصممين متدربين يكتسبون خبرة ميدانية بينما يساهمون في إعادة مدينتهم إلى الحياة.
يقول ….
“عملتُ مع فريق من زملائي في ترميم إحدى المدارس، كنا نعمل لساعات طويلة تحت الشمس، لكن شعورنا بأننا نعيد الأمل للأطفال كان أكبر من كل التعب.”
إلى جانب ذلك، أُطلقت مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة مثل المخابز والأسواق المحلية.
ففي العام الماضي، أعيد تشغيل 32 مخبزًا بمساعدة برنامج الأغذية العالمي، مما وفر الخبز لأحياء عدة كانت تعاني من نقص حاد.
تحديات ما زالت قائمة
رغم ما تحقق، لا يزال سكان درنة يواجهون صعوبات كبيرة.
بحسب تقارير حقوقية، لا تزال بعض العائلات تعيش في خيام أو منازل مؤقتة، مع نقص في المياه النظيفة والخدمات الصحية. كما أن بعضهم لم يتلقَّ تعويضات مالية كافية لإعادة بناء منازلهم.
ذاكرة لا تمحى… وأمل في المستقبل
في ساحة وسط المدينة، أقيم نصب تذكاري يخلد أسماء الضحايا الذين ابتلعهم السيل. يتجمع الناس هناك في الذكرى السنوية، يقرأون الفاتحة، ويستعيدون قصص أحبائهم.
في هذا المكان، تختلط الدموع بالأمل، فدرنة اليوم ليست فقط مدينة منكوبة، بل مدينة تُعيد بناء نفسها من جديد.
يقول مراجع القزيري رئيس جمعية أسر ضحايا مدينة درنة