منصة الصباح

درس حي

براح

بقلم /محمود البوسيفي

الروانديون لم يهبطوا من السماء…
هم ليسوا كائنات فضائية..
هم شعب مثل كل الشعوب، يتناسلون، ياكلون ويشربون، بعضهم يذهب إلى المدارس، بعضهم يذهب للعمل في المزارع، بعضهم يتردد على الكنيسة، وبعضهم ينامون في الحانات، بشر مثل الشعوب الأخرى، يحبون ويكرهون.
عاشوا قبل الحقبة الاستعمارية تحت إدارة عشائرية ( وراثية) مثلهم في ذلك مثل الشعوب الأفريقية المجاورة، إلى ان جاء المستعمر البلجيكي ( ورث الاستعمار الألماني) وفرض لتأمين الولاء له تنفيذ سياسة ( فرق تسد) بين المكونات الاجتماعية ( الهوتو 84%_ التوتسي 15%_التوا 1%) والتي تؤكد الدراسات التاريخية والانثروبولجية انهم شعب واحد تفرقوا طبقيا. اعتمد البلجيكي فرض سياسة تسجيل المواليد حسب مرجعياتهم القبلية، و مثلما يفعل المستعمر عادة تم تغليب الأقلية، وتمكينها من التعليم والوظائف.
بعد الاستقلال 1962 حافظت السلطات الجديدة على هذه السياسة التميزية ضد جزء معين من السكان، وهو ما قاد إلى بشاعة جرائم الابادة الجماعية في النصف الأول من 1994 حيث تم وفي خلال خمسة أشهر قتل مليون ونصف من التوتسي والهوتو.. وسط صمت مريب من لافتة المجتمع الدولي، و مايكروفون منظمات حقوق الإنسان التي بدأت في ( الكلام) بعد أن صارت المقابر والملاجئ على امتداد البصر..
واجه النظام الانتقالي الجديد في نهاية العام 1994 حزمة هائلة من الكوارث (( ضحايا الابادة الجماعية من أرامل وايتام ومصابين ولاجئين وتفشي الأمراض فضلا عن العوز والفاقة والصدمات النفسية الخ)) ولم يتردد في تأكيد اعلاء سطوة القانون والبدء بالغاء جميع أشكال التمييز، والمشروع مباشرة في بناء هياكل المصالحة وجبر الضرر، بما يؤمن إيجاد الحلول للمصائب الناجمةعن المذبحة.
الروانديون الذين آمنوا بجدوى العض على مواجعهم نجحوا في تجاوز هواجسهم وهو ينظرون لأطفالهم الذين نجوا من الابادة، وذهبوا للأستفتاء على الدستور في مايو 2003 وامتدت طوابيرهم طويلا في أول انتخابات رئاسية تعددية في أغسطس 2003 ثم الذهاب لانتخاب أعضاء الهيئة التشريعية في سبتمبر/أكتوبر من نفس العام.
يمنع الدستور الجديد جميع أشكال التمييز، ويحظر على المنظمات السياسية ان تتشكل على اساس العنصر والمجموعة العرقية او القبيلة او السلالة او المنطقة او الجنس او الدين او اي تقسيم آخر يؤدي إلى التمييز.
أولى نتائج هذه الإصلاحات كانت في ارتفاع نسبة الملتحقين بالتعليم إلى 96,5% فيما تدنت نسبة البطالة إلى 1%. وفي العام الماضي تم تسجيل صناعة اول هاتف محمول. ووضع اسم رواندا في قائمة الدول التي تمتلك قمرا يدور في فضاء الكون..
الروانديون لم يهبطوا من السماء..
هم فقط ولدوا من تفاؤل الإرادة.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …